ثقافة وفن

ماذا في كواليس الرواق.. الذي استضاف عباس النوري؟! … مازلت شغوفاً حتى في الانقلاب على المفاهيم وأرحب بالانقلاب على تجربتي بكل تفاصيلها

| سارة سلامة - ت: مصطفى سالم

بغياب فني ملحوظ عن مسرح الحدث وتعدد وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي حضرت لتغطي الندوة الخاصة بالنجم عباس النوري والتي تناولت رحلته في عالم الفن على مدار نصف قرن، في«الرواق العربي» بدمشق، وهي لفتة مهمة لكون المحتفى به نجماً محبوباً له شعبية من جهة ولكونه شخصية جدلية قدمت تجربتها الثقافية والفنية عبر ما يقارب الخمسين عاما دون كلل.

وفي واقع الاحتفال دخل النوري بشكل مباشر وهو يريد من الاحتفاء أن يذهب لقراءة تجربته بواقعية وبجرأة وألا يكتفي هذا الاحتفاء بذكر المناقب والإنجازات وحدها حيث قال في مقدمة حديثه: «دعونا نضرب عرض الحائط كل ما يمنع قراءة تجاربنا بحرية».

فأنا لا أخجل من عيوبي.. بل أحبها كما أحب أمي.. ولن تنقضي قيمة أمي لكونها أمية لا تقرأ ولا تكتب لكنها بثقافة خطواتها في بناء أسرتنا وعملها بلف السجائر (بالريجي) أنجبت تجربتي بشكل من الأشكال.

ثم حفز النوري الجميع لضرورة الإحاطة بالممنوعات في قراءة تجربة أعوامه وأعماله.

جذبتني الرومانسيات

وهو ينبه إلى كونه مواطناً سورياً لازال في شخصيته إثر الانقلابات والمنقلبين وعليه فإنه يرحب بالانقلاب على تجربته بكل تفاصيلها.

كما أشار بإسهاب إلى تجربته الفكرية عبر استعراض مبسط لمراحل حياته المدرسية والجامعية ثم بخوضه تجربة امتهان الفن واحترافه واختصر ذلك بقوله: «ما زلت شغوفاً حتى في الانقلاب على المفاهيم.. كل المفاهيم وبمختلف جوانبها وصولا للمكون الرئيسي في شخصيتنا الوطنية».

وأضاف: «من أيام الجامعة وجدنا أنفسنا داخل عباءة النضال من أجل التغيير وجذبتني كما جذبت غيري تلك الرومانسيات اليسارية التي هدفت لبناء مجتمع جديد ووطن جديد وحياة جديدة، جذبني كما جذب غيري هذا الاختلاف مع الشارع ومع المجتمع والناس، فقدمنا تجارب مسرحية شاهدها وأحبها الجمهور العريض الذي كونته هذه الثقافة الرومانسية واليسارية».

ثم أشار إلى اختلاف الرؤية بعد التجربة وقدم بشرحه هذه الرؤية قائلا: «لم يكن الرأسمال الوطني عفناً ورجعياً كما رأيناه سابقا عندما كنا تحت عباءة اليسار لقد جعلتنا هذه العباءة نحفر الخنادق في حرب يحصد نتائجها كل من هم خارج الحدود ويبحثون لنا عن مزيد من التخلف، التنمية والتطور لا يمكن منعهما لأنه لا أحد يستطيع إيقاف عقارب الساعة لكن الرومانسية اليسارية وعباءة المناضل ساهمت بحجب رؤيتنا للزمن الذي تقدم بنا دون أن نتقدم».

سياسة اللحظة

وعندما ابتدأ الحوار ذهبت عناوين كلامه في المقدمة شيئاً فشيئا نحو التلاشي والتغييب، فجميع الحضور ذهب بالاحتفاء لتحقيق الطقوس التقليدية من إهداء الدروع واللوحات التذكارية، والتي وإن كانت جميلة بحق إلا أن جمال الاحتفاء الذي أراده النوري من البداية والذي أشار إليه في مقدمة حديثه قبل الاحتفاء كان ليغدوا أجمل لو وقع كلامه في صلب وجوهر سياسة اللحظة الحوارية التي أدارها الإعلامي ملهم الصالح خاصة أن التقديم الحاذق للنجم منذ بداية الاحتفال كان يركز على شخصيته الجدلية وجرأته في استعراض أفكاره وتجربته..

كلمة أخيرة

بالرغم من جدارة التكريم الذي قدمه «الرواق» من جانب ما، إلا أن التكريم الأجمل والذي كان يجدر بالرواق التطرق له وهو الأهم لشخصية حصدت العديد من الجوائز والتكريمات العربية والعالمية، الإحاطة بها وتسليط الضوء على محطاتها والتعريج على آفاقها خاصة، وأن النوري فتح ذراعيه لكل العيوب والانتقادات التي من الممكن أن توجه له، هي فرصة جميلة أضاعها الرواق في الغوص بمحيط فنان محنك له تاريخ كبير وما زال يبحث للآن عن تجربة حقيقية بنفس الشغف والاندفاع ونفس الحس بالتجريب واكتشاف نتائج أفضل..

اذاً هو تاريخ فكري وفني وثقافي وسياسي في خزينة هذا الرجل الذي عاش طفولته في ثنايا حارات الشام القديمة مكتزناً كل فرصة لاكتساب معرفة شكلها بيديه وصنع نفسه بنفسه ليصبح اليوم أحد أبرز الشخصيات السورية المؤثرة في المجتمع، وعاصر بتجربته مراحل عديدة ليكون اليوم شاهداً على عصره ويمثل السوريين أينما حلّ بلهفته وغيرته وخوفه على البلد..

وقدم من خلال أعماله أفكاراً متنوعة وشخصيات متعددة صنعت كل منها حالة متفردة ولوناً خاصاً، وعبر مراراً عن آرائه من خلال الوسائل الإعلامية وكان منذ بداية الأزمة السورية الصوت الذي لايخفت عن مناصرة الحق، كما تعرض في صفحته الشخصية على فيسبوك لقضايا لها علاقة بالشأن العام وأخذ على عاتقه صياغة دستور جديد بفكره التنويري وكسر الحواجز في حديثه بالسياسة هذه الجرأة والأفكار المكرسة على مر تاريخه ربما كانت تحتاج منا إلى تكريم من نوع آخر.. تكريم يختصر مسيرتها ويشرح قصتها ويستذكر تفاصيلها ويركز على جوانبها والتصويب فيها بعد مضي نصف قرن من الإبداع والجرأة والفن.. وتحتاج تلك المسيرة منا التوقف عند شخصيته الجدلية التي لم تهدأ يوما في البحث عن ذواتها.

عباس النوري في الرواق كنت رائقاً وجديراً.. مع كل الحب دمت حقيقياً ونجماً..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن