الأولى

قمة استجداء العبودية

د. بسام أبو عبد اللـه

 

يفاجئك عدد المقالات التي تنشر من كتبة آل سعود الذين يسعون جاهدين لنفخ عضلات ضامرة، وميتة لملك مصاب بداء (الزهايمر)، وآخر وضعته أمه مكان أبيه بهاتف أميركي، وثالث تطل القواعد الأميركية على غرفة نومه مع زوجاته، ومع ذلك ولكثرة تفاهة هؤلاء (الكتبة) فإنه يتراءى لك أنك أمام ستالين، أو روزفلت، أو تشرشل وهم يضعون تفاصيل العالم الجديد بعد اتفاقية (يالطا) نهاية الحرب العالمية الثانية، وليس أمام عبيد ارتضوا أن يكونوا كذلك منذ أن ولدتهم أمهاتهم.
من حق جون كيري أن يسأل هؤلاء العبيد في لقائه معهم في باريس كما سربت صحيفة الحياة النفطية السعودية: «لماذا تخافون من إيران، وموازنتكم الدفاعية تضاهي موازنة إيران عشر مرات»، ومن حق الأميركيين أن يمتعضوا حينما سأل مسؤول عربي في أحد الاجتماعات التحضيرية لقمة كامب ديفيد الجانب الأميركي: «هل نمتلك حق التخصيب كما تمتلكه إيران»، فكان الرد: «بعد هذا المسار المضني مع طهران.. هل تريدون أن تصبحوا إيران».
إن مجرد هذا الجواب يعكس حجم احتقار واشنطن لهؤلاء الحكام العبيد الذين يريدون الآن أن يدعوا أمام شعوبهم، والعالم أنهم أصحاب (قرار وطني مستقل)، وأن النخوة أتتهم بعد عقود من العبودية استمرت، منذ أن قرر البريطانيون أن يجلسوهم على الكراسي، ويطلقوا عليهم ألقاب (صاحب الجلالة، وصاحب السمو) من دون أن يدرك هؤلاء أنهم ليسوا أغلى من شاه إيران على قلوب الأميركان، وأن واشنطن عندما تقرر فما عليهم سوى التنفيذ لأنهم ارتضوا أن يكونوا عبيداً.
ما يضحكك أكثر أن بعض هؤلاء الكتبة يسوقون فرانسوا هولاند كسيفٍ يحاربون به باراك أوباما من دون أن يعودوا قليلاً بالذاكرة إلى الوراء ليعرفوا أن الرئيس الأميركي نسي أن يبلغ هولاند هذا عن رفضه توجيه ضربة لسورية، وكان هولاند ينتظر في غرفة عملياته على أحر من الجمر كما حراس النفط والغاز الساعة التي ستنقض فيها الطائرات الأميركية على دمشق، وعلم هولاند بإلغاء الخطط الأميركية من وسائل الإعلام حاله حال رئيس ما يسمى الائتلاف السوري، وبالتالي فإن هؤلاء الكتبة يقومون بمهمة مستحيلة لنفض غبار (العبودية) عن مموليهم، وأولياء نعمتهم في الرياض، أو الدوحة، أو أي عاصمة عبودية أخرى.
أحد الكتاب الشطار خرج بفكرة مبدعة أخرى تقوم على مثل سائد في بلاد الشام (من جرب المجرب عقله مخرب) دعا فيها إلى عدم الوثوق بالأميركان لأنهم خونة، وتمنى أن تكون قمة العبيد في الرياض قد اتخذت قرارات غير معلنة لمواجهة أميركا، تخيلوا مواجهة من!! أميركا..
على الرغم من أن هذا الكاتب يعرف حق المعرفة أن الأميركان يعرفون ماذا يجري داخل غرف نوم أمرائه، وملوكه، وأولياء نعمته، وأنه يكتب من باب التفاهة السياسية، وأحلام اليقظة، والضحك على اللحى الذي اعتاد عليها في ظل تعاطيه مع حراس النفط والغاز، في صحفهم الديمقراطية جداً جداً.
هناك أمور تقرؤها فتشعر بالحاجة للتقيؤ مباشرة لشدة بذاءة الفكرة المطروحة، وضخامة الكذبة التي يعملون على تسويقها، منها مثلاً: موضوع عدم ذهاب (سلمان) إلى قمة كامب ديفيد، أو امتناع إمبراطور (البحرين) عن السفر أيضاً، وكأن هذا سيحدث ارتجاجاً في العلاقات الدولية، أو أن باراك أوباما لن ينام تلك الليلة لفظاعة ما حدث، وانعكاسه على الأمن القومي الأميركي والتوازن في العالم، والمخاطر الاستراتيجية على خريطة المنطقة، فعلاً إنها مهزلة أن نضيع وقتاً على قضية هؤلاء العبيد، وامتعاضهم، وحردهم الذي بدأ مع سعود الفيصل من خلال امتناعه عن إلقاء كلمة في الأمم المتحدة، ووصل إلى سلمان، ولذلك إنها مضيعة للوقت أن نناقش ذلك.
ما يحدث الآن: هو إعادة رسم جديدة لتوازنات المنطقة ستبدأ مع توقيع الاتفاق النووي مع إيران، والتفاهم مع روسيا، وقوى المقاومة، وسورية الذين دفعوا من دماء أبنائهم، ومن صمودهم ثمن بقائهم على الخريطة، ولم يدفعوا (ملايين الدولارات) لجلب مرتزقة يدافعون عنهم، أو يحققون لهم مناطق نفوذ جديدة لينقلوا إليها (عقود العبودية) عبر داعش والنصرة كما اعتادوا هم على ذلك مع الأميركان.
ببساطة شديدة: لا حاجة للمقالات من أجل شرح، وتمرير أفكار، وهواجس (ممالك العبيد)، فعندما يتعلق الأمر بهذا المستوى الاستراتيجي من التحولات بإمكان محطات التسويق السعودية (التكفيرية، والخلاعية) أن تعطي وقتاً من برامجها مثلاً لإطلالة لسلمان يعلن فيها البيان رقم 1، يقول فيه: إنه بناء على الإرادة الملكية السامية نعلن نحن ملك آل سعود انشقاقنا عن التبعية، والعبودية التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، كما نعلن توقفنا عن إيداع دولاراتنا في بنوك أميركا، وطرد الشركات الأميركية العاملة في السعودية، والتوقف عن استيراد السلاح الأميركي، وتفنيش كل مستشاري السي آي إيه المنتشرين في كل مكان، ووقف رحلات الأمراء، والطلاب إلى لاس فيغاس، ووقف عرض البرامج الأميركية على محطات إم بي سي، ووقف استيراد كل أنواع التكنولوجيا الأميركية بما فيها السيارات، والطائرات الخاصة والعامة، حتى لو وصل الأمر إلى قطع الأوكسجين الذي أدرك أنه أميركي حتى نموت جميعاً، ولكن لأنني لا أستطيع أن أعدكم بكل هذا، لأنه يتعارض مع مصلحة شعبي الشقيق السعودي أعلن لكم: أننا مضطرون لتجديد عقود العبودية مع أميركا خلال قمة كامب ديفيد القادمة، ولكن بشروط محسنة تأخذ بالحسبان محاولة تخفيف استهبال البشر في المرحلة القادمة.
لا يمكن للمرء إلا أن يتعاطى بطريقة ساخرة مع هؤلاء لأن ما سوف يجري فعلاً في قمة كامب ديفيد هو تنفيذ خريطة طريق جديدة وضعتها واشنطن لهذه المحميات الأميركية التي يعوي زعماؤها ضد أميركا الآن، ولكن ما سنراه أمامنا هو مجرد (قمة استجداء للعبودية) لكن هذه المرة من الأحفاد بعد أن انتهى دور الآباء، وأميركا تعرف تماماً ما قاله المتنبي:
لا تشتري العبد إلا والعصا معه
إن العبيـــد لأنجــــاس مناكيـــــد

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن