ثقافة وفن

أغنية «سمراء من قوم عيسى» التي غناها الفنان ناظم الغزالي … شاءت الظروف أن تصاب الفتاة بمرض وتنادي باسمه وبالشعر خلدت حكايتهما

| د. رحيم هادي الشمخي

صادف شاب في مدينة بغداد اسمه أحمد فتاة تلبس الخمار الأسود فوقعت عيناه على هذه الفتاة الجميلة خاصة عندما رفعت الخمار الأسود عن وجهها، وتابعها حتى دخلت إلى بيتها، أصاب هذا الشاب اليأس عندما انقطعت عنه مدة طويلة، فظل على هواه مولعاً بها، وفي ظهر أحد الأيام وهو ذاهب للصلاة في أحد المساجد يفاجأ بهذه الصبية وكأنها تسأله عن سبب انقطاعه عنها، لكن أمها خلال لقائهما نادت ابنتها يا (مها) فشدّه الموقف فأنشد مستعيراً بأبيات من قصيدة الشاعر (ربيعة بن عامر الدارمي الملقب بالمسكين) وهو يقول:

قل للمليحة بالخمار الأسود
ماذا فعلت بناسك متعبد
قد كان شمّر للصلاة ثيابه
حتى وقفت له بباب المسجد
ردّي عليه صلاته وصيامه
لا تقتليه بحق دين محمد

وذات يوم عاد (أحمد) يزور محلة الفتاة، ولما رآها أخذت تبادله النظرات من خلف الشناشيل وهي تسكن بجوار الكنيسة، وغالباً ما يكلفها الراهب بضرب الناقوس يوم الأحد إيذاناً بالصلاة، لكنها انقطعت عنه بعد ذلك ولم يرها حتى اشتد به الوجد وأصاب منه الحب موضعاً فأنشد لها وهو يُسمع الناس صوته بهذه الأبيات الجميلة في صبيحة يوم الأحد والناس متجهون إلى القدّاس لعلها تصل إليها أو يعينه أحد على بلوى عشقه، يقول:

سمراء من قوم عيسى من أباح لها
قتل امرئ مسلم قاسى بها ولها
أردت بيعتها أشكو القتيل لها
رأيتها تضرب الناقوس قلت لها
يا مها أالله يلهمك وصلي
فكفي النوى إني متيمك قالت بلى

ومضت الأيام القليلة مسرعة، ورحلت عائلة هذا الشاب (أحمد) من بغداد إلى مكان آخر، وغادر الحبيب أرض حبيبته وهو مرغم والدموع تصب من عينيه كما أنها ودعته وقد خرجت بخمارها على أمل الانتظار أن يعود إليها وهو يقول:

لما أناخوا قبيل الظهر عيسهم
وحملوها وسارت بالهوى الإبل
يا حادي العيس عرّج كي أودعهم
يا حادي العيس في ترحالك الأجل

وشاءت الظروف أن تُصاب الفتاة بمرض من الأمراض التي كانت تفتك بالناس، وكانت تنادي حبيبها مدة مرضها من دون أن تحظى بكلمة منه، وفارقت الحياة، وبعد حين عاد، وقبل أن يدخل إلى الكنيسة، أخذ يتلفت يميناً وشمالاً لعله يراها، ولكن لا أثر، فأتى الراهب في الكنيسة يسأله منشداً:

إني على العهد لم أنقض مودّتهم
يا ليت شعري بطول العهد ما فعلوا
لما علمت بأن القوم قد رحلوا
وراهب الدير بالناقوس منشغل
يا راهب الدير بالإنجيل تخبرني
عن البدور اللواتي ها هنا نزلوا
فحن لي وبكى وأنّ لي وشكى
وقال لي يا فتى ضاقت بك الحيل
إن البدور اللواتي جئت تطلبها
بالأمس كانوا هنا واليوم قد رحلوا
شبكت عشري على رأسي وقلت له
يا حادي العيس لا سارت بك الإبل
ليت المطايا التي بهم ضلعت
يوم الرحيل فلم يبق لهم جملُ

ولم تمهله المنية بعد ذلك إلا أسابيع، ظل فيها يعاني من علّة العشق حتى توفي من شديد حبّه وحسرته لفقدان الحبيب وأصبح نبراساً للعاشقين في هوى بغداد، دلالة كبيرة أن الحب الصادق الشريف لا يعرف الأديان والمذاهب والعرق، إنها قصة رجل مسلم وفتاة مسيحية أحب أحدهما الآخر، هذه أغنية غناها المرحوم الفنان الكبير ناظم الغزالي (سمراء من قوم عيسى).

الرحمة لهم جميعاً…

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن