ثقافة وفن

اهتمام عالمي بجهود مدير عام الآثار والمتاحف مأمون عبد الكريم … الصحافة الأوروبية وصفته: مقاوم لا يتعب من تنبيه الضمائر للآثار السورية

نشرت صحيفة الفيغارو بتاريخ 13 تشرين الثاني مقالاً بعنوان: (مأمون عبد الكريم، المقاوم)، بقلم كلير بوملاير Claire Bommelaer، ومما جاء فيه:
«- لا شيء يُظهر تعبه الخفي إلا كلامه السريع. ما عدا ذلك، يبدو أن مدير الآثار والمتاحف في سورية مأمون عبد الكريم لا يتعب منذ وصوله إلى أوروبا يوم الإثنين 9 تشرين الثاني. إنه يحاول منذ ثلاث سنوات إنقاذ التراث السوري من القنابل والنهب، ويسعى إلى تنبيه الضمائر الغربية حول «المجازر الثقافية» التي يجري تدبيرها في بلده، ويقول: «إذا لم يتم القيام بأي شيء، وإذا لم يساعدنا أحد، أؤكد لكم أنه سيتم تدمير تدمر يوماً ما. انظروا إلى حلب: إنها تعيش الوضع نفسه الذي عاشته فارصوفيا عام 1945».

نشاطه خلال وجوده في أوروبا
أمضى أسبوعاً كاملاً وهو يكرر رسالته العاجلة. قالها أمام علماء الآثار في المدرسة العليا في باريس يوم الإثنين 9 تشرين الثاني، ثم في مكتب المديرة العامة لليونيسكو إيرينا بوكوفا يوم الثلاثاء 10 تشرين الثاني، ثم في لندن أمام المتبرعين في مؤسسة World Monument Fund يوم الخميس 12 تشرين الثاني. كما شارك في مؤتمر البناء التاريخي Demeure historique في باريس. يجب أن يكون هذا الرجل (48 عاماً) محباً للمزاح في حياة أخرى. عندما وقف أمام عدسة مصور صحيفة الفيغارو مقابل علم اليونيسكو، قال مازحاً: «ما اسم البلد الذي أقف أمام علمه؟»، ثم اختفت ضحكته الساطعة. إن مأمون عبد الكريم مستهدف من داعش، ولكنه لا يريد الدخول في «الجدل». كما لو أنه يريد حماية نفسه، يكرر بلا ملل أنه «لا يجب الخلط بين السياسة والثقافة»، وأن الثقافة تستحق أن نضع الأحقاد والخلافات جانباً. يتحدر مأمون عبد الكريم من أم سورية سريانية وأب أرمني شاهد والديه يُقتلان قبل تبنيه من عائلة عبد الكريم عندما كان عمره ثماني سنوات. يشعر مأمون عبد الكريم أنه في وسط مآسي الإنسانية. لا يمكنه أن يفعل شيئاً تجاه ذلك، لكنه يقول: «بالمقابل، يجب الحفاظ على الثقافة والتراث اللذين يجمعان الشعوب».

جهده في المحافظة على الآثار السورية بعيداً عن النزاع
وضع مأمون عبد الكريم مقتنيات ثلاثين متحفاً سورية في مكان آمن منذ بداية النزاع، كما فعل جاك جوجار Jacques Jaujard عندما قام بإفراغ متحف اللوفر عام 1940. يقول مؤكداً: «إن ثلاثمئة ألف قطعة أثرية في مكان آمن اليوم» في لغة فرنسية متقنة مشوبة بلكنة شرقية محببة. تحدث عن الشاحنات المحملة بتماثيل بلاد الرافدين والسلسلة المتضامنة من ألفين وخمسمئة موظف حكومي ـ بغض النظر عن موقفهم من هذه الحرب الأهلية ـ والأخطار الجنونية. ارتفع الخطر درجة أخرى منذ عام 2012 مع تقدم الدولة الإسلامية. تحول العمل العاجل إلى المواقع الأثرية التي وقعت فريسة «المافيات»، وتعرض حراسها للذبح أحياناً لمجرد وجودهم فيها. قال مأمون عبد الكريم: «في سورية، إن الموت والخوف والحزن تخيم على جميع العائلات».
حياة قاسية وتمسك بالوطن

في بداية النزاع، طلبت ابنته مغادرة البلد لأنها كانت خائفة، وأجابها قائلاً: «هل تريدين أن يُنظر إلى والدك كجبان فيما بعد؟ يجب أن نبقى هنا». تعيش عائلته وتصارع الحياة منذ ذلك الوقت مع زوجة تحمل شهادة الدكتوراه في الآثار وطفلين يبلغ عمراهما تسعة واثني عشر عاماً. إنه أستاذ في الجامعة، ويذهب إلى الجامعة يومياً، وقال: «ليس لدي تيار كهربائي إلا ثماني ساعات يومياً، وتصل المياه كل ثلاثة أيام، ولكن شبكة الإنترنت wifi تصبح أفضل مساء».

شرح وجهات النظر والحرب الاعلامية
تتقرب وسائل الإعلام منه بإلحاح منذ عام، وينظر إليها بمنزلة طوق النجاة في الوقت الذي ابتعدت العديد من الدول عنه. إنه يرد خلال أربع وعشرين ساعة بشكل عام، وهو مُقتنع بأن الحرب الإعلامية مهمة أيضاً، ويعرف أن المنظمات الثقافية الكبرى ونظراءه في الخارج يقفون إلى جانبه. قالت المديرة السابقة لقسم الآثار الشرقية في متحف اللوفر بياتريس أندريه سالفيني Béatrice André-Salvini: «إنه عالِم كبير. نحاول الحفاظ على بعض العلاقات العلمية معه». لكنه لا يقوم بأي انتقاد لفرنسا التي قطعت العلاقات الدبلوماسية مع سورية. إنه فرانكوفوني، وحصل على شهادة الدكتوراه بالآثار من جامعة سان كانتان ان إيفلين Saint Quentin en Yvelines، ويُظهر ألماً صامتاً تجاه قرار وزارة الخارجية الفرنسية. تساءل مأمون عبد الكريم قائلاً: «هل سيعود الفرنسيون إلى سورية يوماً ما؟ هل سيشعرون بالعار من هذا الهروب، وهم الذين كانوا وراء التنقيبات الأثرية في سورية، وأعطوا لغتهم إلى علم الآثار؟» في إشارة إلى الحب الزائل الذي كان يكنه تجاه فرنسا. حاول صديقه السفير دانييل روندو Daniel Rondeau في أحد الأيام تنظيم موعد له مع الرئيس فرانسوا هولاند، وقال السفير: «لم يكن أمامنا إلا عدة ساعات، ولم يكن ذلك ممكناً»، وأعرب عن اعتقاده أنه لا بد «من المرور عبر لقاء من أجل أن تتحرك الأمور».
وقع حادث ساهم في تحريك الخطوط عندما حصل الاغتيال الوحشي بتاريخ 18 آب للمدير السابق لمتحف وموقع تدمر الأستاذ خالد الأسعد، أثار هذا الاغتيال صدمة دولية. فجأة، بدأ الجميع يدرك حجم وحشية داعش، وإحساسه الحاد بالإعلام السقيم. أكد مأمون عبد الكريم أمام أطفال خالد الأسعد الأحد عشر أن موت والدهم لن يكون سدى، ويقول اليوم: «لاحظت تحولاً في الضمائر. سيكون هناك ما قبل وما بعد 18 آب».

..ومن حوار أجراه جورج مالبرونو معه نلحظ أهمية ما يقوم به

كم يبلغ عدد المواقع الأثرية المتضررة منذ عام 2011؟
تضرر ثلاثمئة موقع أثري في سورية من أصل عشرة آلاف موقع. تضررت هذه المواقع بسبب أربعة أنواع من أعمال العنف: أولاً، المواجهات بين المتمردين والقوات الحكومية مثل حلب التي أصبحت ساحة معركة. ثانياً، أعمال التدمير الناجمة عن التنقيب المخالف للقانون الذي بدأ عام 2013 في ماري وأفاميا. ثالثاً، الأضرار الناجمة عن أسباب إيديولوجية كما فعل داعش في تدمر. أخيراً، أضرار أخرى ناجمة عن أعمال البناء المخالفة حول بعض المواقع الأثرية من أشخاص فقدوا منازلهم.

أين وصلتم في إنقاذ التراث السوري المهدد بسبب الحرب؟
أغلقنا جميع المتاحف في سورية منذ انتشار العنف في نهاية صيف عام 2012، وبدأنا بنقل القطع الأثرية إلى أماكن آمنة وسرية في دمشق وأماكن أخرى. كان هاجسنا نهب متحف بغداد بعد سقوط النظام عام 2003، وكنا نريد بذل كل الجهود لتجنب مثل هذا السيناريو. في ذلك الوقت، لم يكن داعش هو الذي يُخيفنا، لأنه لم يكن موجوداً آنذاك. جاء واحد وثلاثون ألف قطعة أثرية من مدينة دير الزور التي تحاصرها الدولة الإسلامية اليوم، وأكثر من أربعمئة تمثال من تدمر. في دير الزور، نجحنا بإنقاذ تاريخ سورية في بلاد الرافدين، وحافظنا بذلك على ثمرة عمل أكثر من مئات البعثات الأثرية الفرنسية والأميركية والإيطالية التي قامت بالتنقيب خلال مئة عام على الأقل. قمنا بالشيء نفسه في متاحف حلب وحمص وحماة ودرعا. نجحنا بإنقاذ الجزء الأساسي من القطع الأثرية في المتاحف، ولكن الوضع أقل مدعاة للرضى في المواقع الأثرية.

كيف يمكن حماية هذه المواقع الأثرية، ولاسيما تدمر؟
نحن نواجه عدة أوضاع من أجل إنقاذ المواقع الأثرية المهددة. إذا كانت الحكومة ما زالت موجودة، فنحن نتوجه إلى الشرطة والجمارك الذين يتابعون هذه المسائل. إذا لم تعد الدولة موجودة، نتوجه إلى النخب المحلية- المثقفين ورجال الدين ومسؤولي العشائر-ونطلب منهم مساعدة زملائنا في مديرية الآثار والمتاحف الموجودين على الأرض من أجل الرد على اللصوص والمافيات. لأننا ما زلنا ندفع رواتب عشرات الموظفين الحكوميين في المناطق المتمردة. بالنسبة لبصرى وإدلب اللتين وقعتا بأيدي المتمردين خلال فصل الربيع، نجحنا بإخفاء بعض القطع الأثرية في مكان آمن.

تعرضت المواقع الأثرية إلى أعمال تنقيب غير مشروعة، كيف تجري هذه الأعمال؟
يوجد في ماري قصر رائع يعود تاريخه للقرن الثاني قبل المسيح، وقام علماء الآثار الفرنسيون بالتنقيب فيه خلال أكثر من ثمانين عاماً. تقوم مجموعات صغيرة من اللصوص بتوظيف بعض العمال الجاهلين مقابل راتب جيد بالدولار. لكن هناك أيضاً المافيات التركية واللبنانية التي تبيع القطع الأثرية في السوق السوداء في الخليج وأوروبا. طلبنا مراراً من تركيا والأردن تسليمنا صور القطع التي يملكونها بعد العثور عليها، لكن الجواب كان بالرفض دوماً. إن لبنان هو الوحيد التي تعاون، وأعاد تسعين قطعة من الموازييك والتيجان والتماثيل التدمرية. لقد أطلقنا نداء دولياً لتعزيز الرقابة على الحدود منذ دخول المافيات عام 2013. للأسف، لم يصغ أحد لنا لأن الناس ينظرون إلينا كرجال سياسة. إن الحفاظ على التراث السوري هو مسؤولية دولية، يجب على فرنسا وبقية الدول الأوروبية أن تضغط على بعض جيراننا من أجل التعاون ضد التنقيب غير الشرعي.

إضافة إلى داعش، من المجموعات المسلحة الأخرى التي تقوم بالنهب؟
بدأت سرقة المواقع الأثرية قبل وصول داعش. سرقت مجموعة أحرار الشام المصرف المركزي في الرقة في شهر آذار 2013، وكنا قد خبأنا فيه خمسمئة وسبعاً وعشرين قطعة أثرية. تفاوضنا معها خلال أكثر من عام، ولكننا لم ننجح في استعادة أي قطعة سيراميك أو قطعة نقود معدنية حتى الآن. نأمل أنه لم يتم بيعها في السوق السوداء. فيما يتعلق بجبهة النصرة، لم تقم بأي جهد حقيقي ضد المافيات التي كانت تعمل تحت أنظارها في وادي الفرات.

من الدول الأوروبية التي ما زلتم تتعاونون معها؟
إضافة إلى اليونيسكو التي تساعدنا كثيراً، إن الدولة الوحيدة التي تشجع مؤسساتها على التعاون معنا هي ألمانيا التي لم تُغلق معهدها الأثري في دمشق وحافظت على فريق عمل محلي صغير، وكذلك إيطاليا والنمسا. فيما يتعلق بفرنسا، إن علماء الآثار في المدرسة العليا في باريس هم الوحيدون الذين يساعدوننا بشكل شخصي، إنه أمر يدعو للأسف، يجب على فرنسا مساعدة علماء الآثار السوريين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن