قضايا وآراء

أوباما لحكام الخليج في كامب ديفيد: الأمر لي.. فقط!

مأمون الحسيني

 

لم يستطع كل الصراخ والضجيج الإعلامي الخليجي المتعلق بما يسمى «الخطر الإيراني» الذي يدعون أنه سيبقى جاثما فوق هامات «طويلي العمر» بعد توقيع الاتفاق النووي أواخر حزيران/ يونيو المقبل، ولا «حرد» كبار القوم وتمنعهم عن ترؤس وفودهم التي استجلبت إلى منتجع كامب ديفيد للقاء الرئيس الأميركي، أن يجسرا الفجوة الكبيرة بين رغبات وأماني ملوك وأمراء كيانات الخليج الخاصة بضرورة توقيع اتفاقات دفاعية مع واشنطن شبيهة بتلك الموجودة بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية أو مع إسرائيل، وقيام أميركا باعتماد مبادرة عملية ضد دعم طهران لحلفائها في المنطقة، ولاسيما في سورية، واحتواء «النفوذ الإيراني» الذي من شأنه، بعد تحرير الودائع المالية المجمَدة في الولايات والمتحدة والدول الأوروبية، والمقدرة بعشرات مليارات الدولارات، أن يمنح طهران دور الشريك الفعَال في تحديد مصير خريطة المنطقة، وبين متطلبات الإستراتيجية الأميركية، غير القابلة للنقاش، في المنطقة، وذلك رغم عدم تسليط الضوء، من جديد، على التحذير الذي سبق أن صرّح به الرئيس أوباما لتوماس فريدمان والـ«نيويورك تايمز» من أن الأخطار الحقيقية على محميات الخليج هي أخطار داخلية ذات طبيعة عقائدية واجتماعية ومطلبية.
الأوامر الأميركية التي أبلغت للأمراء وأولياء العهد، وبالأخص للأمير محمد بن نايف الذي تشيع وسائل الإعلام الأميركية بأنه رجل واشنطن المفضَل، تم إخراجها على شكل صفقة مقايضة لحفظ ماء الوجه السعودي: إقرار كيانات الخليج بأن التسوية النووية المرتقبة مع إيران تعتبر عامل استقرار في المنطقة، مقابل تعهد واشنطن بضمان تطوير القدرات العسكرية الخليجية، والتعهد بالدفاع عن دول مجلس التعاون في مقابل أي اعتداء، حسبما يقرّه ميثاق الأمم المتحدة، والتزام مشترك بحل جميع أزمات المنطقة سياسيا بشكل «يمنع إيران من استغلال الانقسام لزعزعة الاستقرار في المنطقة». أي بكلام آخر، إن أمن الخليج، ورغم الصفقات العسكرية التي ستدر أموالا ضخمة على مصانع الأسلحة الأميركية، سيكون بيد واشنطن التي ستلحظ دوراً خليجيا في منظومتها الأمنية- السياسية في منطقة الشرق الأوسط، فيما سيتم التعاطي بشكل براغماتي مع أزمات المنطقة المشتعلة.
ولأن العقدة السورية كانت، وما تزال الهاجس الأساسي لحكام وشيوخ الخليج، فقد تم وضعها كأساس وبارومتر لقياس منسوب المصداقية الأميركية حيال استعداد واشنطن لفرض توازن قوى جديد مع إيران في المنطقة، بينما ارتفعت الأصوات المطالبة بتشديد الضغط على سورية، واتخاذ إجراءات نوعية ضدها، من نمط إقامة منطقة عازلة على طول الحدود التركية السورية، وهو ما ردَت عليه واشنطن بذات العبارات الإنشائية التي تتكرر دائماً حول الالتزام بتقوية ما يسمى «المعارضة» في سورية والوصول إلى حكومة انتقالية من دون (الرئيس) بشار الأسد، ذلك لأن الإدارة الأميركية تدرك أن العودة إلى الحديث عن «منطقة عازلة» أو «إسقاط النظام» أو غير ذلك من الشعارات الكبيرة ليس سوى أحلام يقظة تحتاج إلى نمط آخر من الحروب الإقليمية الموسَعة والمكلفة التي لا يستطيع أحد تحمَل نتائجها. وبالتالي، لا مكان لها من الإعراب على أرض الواقع الملتهب منذ أربع سنوات وأكثر.
يبقى تفصيل مهم له علاقة بتمسك إدارة أوباما بتوقيع الاتفاق النووي مع إيران الذي تعارضه شرائح سياسية ومجموعات ضغط ووسائل إعلام أميركية، إضافة إلى إسرائيل والسعودية وحلفاء آخرين. إذ ما يمكن تقديره، في هذا السياق، هو أن واشنطن التي أدركت عقم العقوبات والتهديدات والضغوط على هذه الدولة الصاعدة بقوة، تأمل وتسعى، من وراء الاتفاق، إلى تحقيق رزمة من الأهداف ذات العلاقة بالصراع الأساسي مع موسكو، لعل الأبرز فيها هو دفع إيران التي تمتلك ثاني أكثر احتياطات الغاز في العالم بعد روسيا، في مرحلة لاحقة، إلى منافسة الأخيرة على توريد الغاز إلى سوق الاتحاد الأوروبي المربحة، والمساهمة، تاليا، في وأد حلم مشروع المنطقة التجارية المتكاملة بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الروسي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن