ثقافة وفن

«حضارة إبلا»… جوهرة الخط الحضاري والتاريخ السوري الأصيل… أول إشارات كتابية ومدرسة وألعاب رياضية في العالم حفظتها الرسوم

| مايا سلامي -تصوير: مصطفى سالم

عقد المركز الثقافي الروسي في دمشق محاضرة بعنوان «حضارة إبلا» وقد هدفت إلى تسليط الضوء على أهم وأعرق حضارة ومملكة ازدهرت في شمال غرب سورية في منتصف الألف الثالث، والتركيز على أرشيف إبلا الذي تم اكتشافه عام 1975 وكان له دور كبير في إظهار حقائق تاريخية جديدة أبطلت الكثير من المفاهيم المتوارثة عن أصل هذه المنطقة وتاريخها وأثبت بالدليل القاطع مدى التطور الحضاري والسياسي والصناعي والاجتماعي والعلمي الذي وصلت له هذه الحضارة السورية العريقة منذ 5000 آلاف سنة.

جوهرة الخط الحضاري

المحاضرة ألقاها الباحث في التاريخ السوري عبد الرزاق حمصي، وقال فيها: « قبل الحديث عن إبلا سأتكلم عن أبرز المحطات في تاريخ سورية القديمة بشكل عام لأن الحضارة خلقت في سورية فأول زراعة وأنظمة ري بدأت في سورية منذ 11 ألف سنة، وأول إشارات كتابية في العالم حيث كانوا يستخدمون أشكال الطيور والنباتات والحيوانات كرموز كتابية قبل الأبجدية، وأول مدرسة في العالم اكتشفت في سورية منذ 5000 آلاف سنة كما يوجد فيها أول ملعب في ريف جنوب طرطوس يسع 11ألف متفرج عمره 3600 سنة ومنه انطلقت أول الألعاب الرياضية، واكتشف في سورية أيضاً أول تمثال لآلهة الحب والخصوبة والجمال صنع فيها منذ 10 آلاف سنة».

وأشار إلى أن أول تجمع بشري منظم وجد في جنوب مدينة دير الزور ويعود إلى 7000 سنة قبل الميلاد، وأنه هناك ما يسمى الخط الحضاري الأول يتألف من عدة مدن متكاملة هي حلب، إبلا، حماة، المشرفة شرق حمص ودمشق، والتي كانت محاطة بأسوار وبوابات وقصر للحاكم وأنظمة سياسية وجوهرة هذا الخط الحضاري هي إبلا.

أهم أرشيف في العالم

وفي حديثه عن أرشيف إبلا وأهم ما ورد فيه بين أنه: « تم اكتشافه عام 1975 من قبل عالم الآثار الإيطالي بابلو ماتييه وهو أهم أرشيف في العالم يتكون من 17 ألف رقيم وعمره 5000 سنة مكتوب بلغة اسمها اللغة الإبلائية وضمن الأرشيف كان هناك رقيمات باللغة الآكادية وبعد اكتشافه فإن معلوماتنا عن تاريخ سورية والعالم تغيرت».

وأضاف: « إبلا تقع على بعد 60 كم جنوب حلب أي إنها وسط سورية وكل الذين كتبوا تاريخ سورية كانوا سياسيين صهاينة عزموا أنه في شرق المتوسط ووسط سورية لا توجد حضارة وهذا الاكتشاف كذب ادعاءاتهم ونسف دراسات عمرها 200 سنة».

اللغات وتاريخها

وأكد أن حضارة إبلا سورية وسكانها عرب يتكلمون اللغة الإبلائية التي هي أصل اللغة العربية، وأن مملكة إبلا سيطرت على كامل منطقة سورية الطبيعية من جبال طوروس إلى سيناء ومن البحر المتوسط إلى الفرات تقريباً وكانت عاصمة لسورية منذ 5000 سنة.

وأوضح أن النظام السياسي في إبلا كان مؤلفاً من ملك وملكة وأن أهم ما ميزه وجود أقدم برلمان في العالم لم يكن شكلياً فقط بل كان له سلطة تشريعية ورقابية حتى على الملك، وأنه إبلا كان يتم تعيين حاكم محلي لكل مدينة كما اكتشفت رسائل ملكية مع كل الدول وأول معاهدة سلام كانت بين إبلا وأحد الممالك.

الصناعة منذ القدم

أما عن الصناعة في إبلا فكشف أنه كان يوجد الكثير من الصناعات وأهمها تطعيم الخشب بالصدف حيث تم اكتشاف العديد من قطع المفروشات الخشبية المصنوعة من الأرز والمطعمة بالصدف، وأن ثاني أهم الصناعات التي أتقنوها كانت النسيج واستخدموا فيها الكتان والحرير والقطن والبروكار حيث نسجوا أقمشة من الحرير مع خيوط الذهب الرفيع، كما برعوا في صناعة المجوهرات فاستوردوا الفضة والذهب والأحجار من جنوب روسيا وخاصة حجر اللازاورد، إضافة إلى صناعة قوالب سكب الأدوات المعدنية.

وفي حديثه عن الجانب الزراعي لفت إلى أن أهم شجرة في إبلا هي الزيتون حيث اكتشفت فيها أقدم معصرة لزيت الزيتون وورد في أرشيفها عبارة تقول «إذا أردت أن تعيش حياة طويلة وصحية كُل زيت زيتون من إبلا»، إضافة إلى زراعة القمح وشجرة الفستق.

وأشار إلى أن إبلا كانت مدينة تجارية وصناعية محاطة بأسوار سماكتها 20 متراً وارتفاعها 30 متراً ولها أربع بوابات كانت بمنزلة أربعة أسواق دولية، وأن إبلا سيطرت على خطوط التجارة في العالم منذ 5000 آلاف سنة والتي تعرف حالياً باسم البحور الخمسة.

إيبلا والمدارس

وحول التعليم في إبلا كشف أن أقدم مدرسة في العالم وجدت في إبلا وكان فيها مدرسة لغات أجنبية يتعلم فيها الأطفال لغات أخرى أهمها الآكادية حيث اكتشفت عدة نسخ لقواميس بين اللغة الآكادية والإبلائية مع شرح اللفظ، كما اكتشف في أرشيف إبلا نصوص شعرية وأدبية ونسخة عن أسطورة جلجامش.
وشدد على أن اللغة الإبلائية لغة مسمارية تبدأ من اليسار وبشكل عمودي وأن 1200 كلمة وجملة وتصريف فعل نستخدمهم اليوم في اللغة العربية كانوا قد اشتقوا من اللغة الإبلائية التي هي أساس اللغة العربية وليس كما هو متعارف عليه بأنها أتت من شبه الجزيرة العربية.

وأضاف: «في الطب أيضاً وجدنا الكثير من الوثائق والوصفات الطبية ولكن الشيء المهم هو أنه تم عقد أول مؤتمر طبي في إبلا منذ 5000 سنة، وكانت العلاجات الطبية بالأعشاب الأكثر استخداماً في تلك المرحلة».

المعابد والآلهة

وأشار إلى أن إبلا كانت تضم ديانات مختلفة وتحتوي على مجمع معابد وأبرز الآلهة كانت إله الشمس، إله العاصفة، إله الخصوبة وأهم إله كانت عشتار التي جسدت حينذاك باللبوة.

وفي تصريح لـ«الوطن» بين عبد الرزاق حمصي أن: « سبب اختيار إبلا اليوم هو أن الكثير من الناس لا يعرفونها وهي أصل الحضارة العربية السورية وهناك ضعف كبير في المعلومات المتوافرة لدى الناس عن هذه الحضارة التي وجدت في الألف الثانية والثالثة قبل الميلاد».

وأضاف: «أريد أن أوجه رسالة لإعادة كتابة تاريخ سورية بناء على الوثائق السورية وتاريخنا ليس خرافات وأساطير وليس أتراكاً وتوراة أيضاً لذلك يجب إعادة كتابة هذا التاريخ بناء على أهم الوثائق السورية وهي أرشيف إبلا وأوغاريت وماري والوثائق الآرامية والسريانية».

أهل الكتابة

وبين مدير متحف تدمر خليل الحريري أن: «بحكم علاقاتنا مع الأصدقاء الروس من الجميل والمهم أن يكون هناك تبادل ثقافي وتعريف الشعب الروسي والأوروبي بشكل عام عن أهمية حضاراتنا وخاصة سورية التي تعد واحدة من البلاد التي دخل إليها عشرات الحضارات».

وأضاف: «نحن أهل الكتابة منذ أوغاريت والرقم التي وجدت في أرشيف إبلا الذي يعتبر أهم أرشيف موجود بالنسبة للآثار السورية لذلك يجب أن تستمر هذه العلاقات والمحاضرات لإظهار أهمية الحضارة السورية».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن