اقتصاد

المستهلك يراوح من «حلف الفضول» إلى جمعـيات حمايته!

| د. سعـد بساطـة

أنشطة رمضان تتراوح بين الروحية من عـبادة؛ والدنيوية من شراء لألبسة العـيد والحلوى؛ وهنا يقع المستهلك في فخ الإعلان الكاذب والبضائع التي قد يكون بعـضها مغـشوشاً! قرأنا منذ أيام عـن سحب كل بيض الكيندر الشهيرة (من الشوكولا) في بريطانيا لشك السلطات الصحية أنها تحمل جرثومة «السالمونيلا»!

أقول: لطالما كان المستهلك هو الحلقة الأضعف في السلسلة المكوَّنة من: مصنع-مورّد-شاحن-تاجر جملة/مفرّق. والأهم من ضعفه مدى استخفافه بحقوقه تحت مسميات كثيرة (الأمر أتفه من أن أهتم به، رأفة بالتاجر، خوف من المجهول، هرب من الإجراءات… ولاسيما الورقية منها).

ولكنَّ النقطة الأكثر أهمية والواجب التركيز عليها هي: جهل المستهلك بحقوقه!

بدأ شعار حماية المستهلك في الغرب -والولايات المتحدة تحديداً- بالتزامن مع دول الاتحاد الأوروبي؛ والطريف بالأمر أن هدفها الأساسي -علاوة على المستهلك- كان الحرص على استمرار الإنتاج والتجارة بين الدول؛ وذلك بالحفاظ على مصداقية الصناعي/والتاجر؛ والمؤسسات التي تجمعهما «غرف الصناعة والتجارة»؛ بواسطة وسيط هو تجمعات مدنية تدعى «جمعية حماية المستهلك».

ومن الجدير بالذكر أن هناك جمعية سوريـة لحماية المستهلك، لها سُمعة عطرة، ولديها فروع في بعـض المحافظات، وتحاول أن تقوم بعملٍ دؤوب على الرغم من قلة الموارد، ومحدودية الدعم.

والآن، لنعد إلى الماضي قليلاً؛ قبيل الإسلام: قدم غريب مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل وحبس عنه حقه؛ فاستعدى عليه الغريب لأهل الفضل بمكة فخذلوه، فأنشد:

ياللرجال المظلوم بضاعته… ببطن مكة نائي الدار والنفر

إنَّ الحرام لمن تمت كرامته… ولا حرام لثوب الفاجر الغدر

أنصفه حلف الفضول، هو حلف تمَّ في دار عبدالله بن جدعان، شعاره ألا يجدوا في مكة مظلوماً إلا قاموا معه حتى تردّ مظلمته.

وقد كان الاهتمام برد حقوق البائع (أو المشتري) يهدف لأمور عديدة؛ من أهمها: سمعة التجارة؛ وبالتالي فهو دور يمزج بين حماية المستهلك ومهام غرف الصناعة والتجارة بوضعها الحالي.

ولنعد لأهم أهداف حماية المستهلك اليوم.. فيمكن تلخيصها في أربعة حرف (R) كالتالي:

1- (Refund): فسخ البيع وإعادة الثمن.

2- (Replace): الحق في استبدال السلعة.

3- (Reduce): الحق في الحصول على تخفيض بثمن السلعة لدى وجود ضرر ما.

4- (Repair): الحق في تصليح/ صيانة مجانية إذا كانت السلعة تعاني من عطل ما.

وكل التفصيلات يتم الاتفاق عليها.

وبالعادة؛ تقوم جمعية حماية المستهلك بتمثيل المستهلك في حال وجود ضرر شامل (ألف تلميذ مدرسة يعانون من مشكلة ما في حواسيبهم من طراز معين – بدلاً من رفع ألف دعوى ضد الشركة الصانعة مثلاً).

ولا ننسى إمكانية الوصول لتسوية قبل الولوج في أبواب المحاكم ودعاويها الشائكة؛ وهنا تلعب جمعيات حماية المستهلك دور الوسيط أو ما يدعى اصطلاحاً (Ombudsman).

وهنا.. نلحُّ على حق المستهلك في استبدال سلعته بعد شرائها خلال فترة أسبوع -في حال كانت سليمة تماماً- دون اضطرار لتبرير موقفه وهذا ما يدعى (days cool off period) أي الفترة التي يشفى فيها من حرارة توقه لاقتنائها ويميل لإعادتها.. وهكذا تم وضع حد للعبارة الشهيرة والجائرة في المتاجر «بعد البيع لا تعاد السلعة مهما كانت الأسباب»!

لجمعيات المجتمع المدني -مثل جمعيات المستهلك- دور مهم لا يُمكن للمؤسسات الحكومية التي تعنى بالمستهلك وجودة الخدمات والسلع المعروضة أن تقوم به؛ دورها تثقيفي وإعلامي؛ فما فائدة الانتصار لحق المستهلك إذا كان المستهلك لا يدري أين تكمن تلك الحقوق وكيفية المطالبة بها؟! وهنا أتذكر هذه الطرفة في السياق ذاته: دأب أحدهم على الدعاء بصوت خاشع قبل النوم لله كي يرزقه ولداً صالحاً. وذات يوم، سمع من السماء صوتاً يقول: «لم لا تقوم بنصف الجهد المطلوب، تزوّج على الأقل!».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن