قضايا وآراء

خلطة العطار

| أحمد ضيف الله

كان يُفترض أن يواصل المجلس النيابي العراقي عقد جلساته بعد انتهاء عطلته التشريعية في الـ10 من تموز 2022، لتكون أولى فقرات جدول أعماله، أداء بدلاء نواب التيار الصدري المستقيلين اليمين الدستورية.

المجلس النيابي قطع عطلته التشريعية، وعقد جلسة استثنائية طارئة في الـ23 من حزيران 2022، بطلب مقدم من 50 نائباً «لتأدية اليمين الدستورية للنواب البدلاء الجدد والتصويت على تعديل نظامه الداخلي»، بحسب بيان الدائرة الإعلامية للمجلس النيابي.

الجلسة النيابية عقدت بحضور 202 نائب من أصل 329 عدد نواب المجلس، ليؤدي 64 نائباً من أصل 73 نائباً من النواب البدلاء اليمين الدستورية لشغل عضوية المجلس النيابي.

وقائع جلسة أداء النواب البدلاء اليمين الدستورية، تمت بهدوء بعيداً عن الاستعراضات الكرنفالية والأكفان، وهي بالنتيجة جاءت في سياق مخاوف الإطار التنسيقي من إمكانية عدول مقتدى الصدر في أي وقت خلال فترة العطلة التشريعية للمجلس النيابي العراقي عن الانسحاب، وهو المعروف بتقلباته، وبالتالي كان إجراء لاستباق أي مفاجئة سياسية قد تقلب المعادلة من جديد، على الرغم من صدور قرارات الموافقة على الاستقالات المقدمة حسب الأصول.

انعقاد الجلسة الاستثنائية ضمن أجواء إيجابية، وأداء النواب البُدلاء اليمين الدستورية بسلاسة، توحي بوجود فرصة انطلاقة جديدة للعملية السياسية المتعثرة منذ نحو 8 أشهر، ومما يعزّز حظوظ هذه الانطلاقة كما يبدو، وجود تفاهمات أولية عكسها البيان المشترك للقوى السياسية المشاركة في جلسة المجلس النيابي الاستثنائية الذي أكدوا فيه، بأن «القوى السياسية تلتزم بالعمل الجاد والعاجل لتشكيل حكومة خدمة وطنية تحقق رغبات وحاجات مواطنينا وفق مبدأ التوازن والتوافق والشراكة والالتزام بالدستور واحترام المؤسسات الرسمية والتأكيد على حل الخلافات بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان»، إضافة إلى أن حضور كتلتَي «الحزب الديمقراطي الكردستاني» و«تحالف السيادة» شريكَي مقتدى الصدر في التحالف الثلاثي جلسة أداء القسم للنواب الجدد، عزز هذا الانطباع.

إن دعوات نواب أغلب القوى السياسية لمقتدى الصدر بالعودة عن استقالة نوابه، لم تكن أكثر من نفاق سياسي ومجاملات شكلية، وبذلك يمكن القول: إن صفحة وجود التيار الصدري في المجلس النيابي قد طويت بشكل نهائي.

استقالة نواب الكتلة الصدرية، أدت إلى تغير في خريطة توزع القوى النيابية في المجلس النيابي، فبحسب القانون الانتخابي المعمول به، حل محل النائب المستقيل، المرشح الخاسر الحاصل على أعلى الأصوات في دائرته، وبذلك ارتفع عدد نواب الإطار التنسيقي من 84 إلى 130 نائباً، بحسب التقديرات الأولية، مشكلاً بذلك الكتلة النيابية الأكثر عدداً دون منازع، ما يتيح له ترشيح رئيس الوزراء القادم وتشكيل الحكومة الجديدة.

الإطار التنسيقي وبعد أن شكّل لجنة خاصة للتفاوض مع بقية الكتل لتشكيل الحكومة المرتقبة، أصبح بإمكانه أن يضمن تمرير رئيس الجمهورية، خاصة إذا نجح في التوفيق بين تلبية مطالب الحزب الديمقراطي الكردستاني لناحية مرشحه ريبر أحمد البارزاني لرئاسة الجمهورية، وبين الالتزام بتحالفه مع الاتحاد الوطني الكردستاني الذي لديه مرشحه برهم صالح رئيس الجمهورية الحالي، بإقناع الحزبين الكرديين إما الاتفاق على مرشح تسوية، أو الدخول إلى المجلس النيابي بسيناريو عام 2018 حين دخل الحزبان بمرشحين اثنين للمنصب، ومن يحصل على أعلى الأصوات يصبح رئيساً للجمهورية.

الإطار التنسيقي (الشيعي) وبعد استقالة النواب الصدريين، أصبح أمام مهمة تشكيل الحكومة الجديدة وفقاً لخريطة توزع النواب الجديدة بعد أن أصبح الكتلة الأكثر عدداً، وفقاً للعرف السياسي المعمول به، وهي مهمة ليست بالسهلة، خاصة في ظل اشتراطات الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني وسقوف مطالبه العالية، المتعلقة بملف النفط والغاز في إقليم كردستان، وقرارات المحكمة الاتحادية بشأن ذلك، إضافة إلى حسم بعض الملفات العالقة بشأن الموازنة المالية وحصة الإقليم منها، وحل موضوع المناطق المتنازع عليها وفق المادة 140 من الدستور.

الآراء داخل قوى الإطار التنسيقي تختلف ما بين اختيار رئيس الوزراء من إحدى القوى المكونة للإطار، وما بين اختياره من الكتل النيابية المستقلة، أو اختياره مستقلاً من خارج المجلس النيابي، مع مراعاة ألا يستفز اسم المرشح دول الجوار الإقليمي والولايات المتحدة الأميركية.

وفي ظل وجود تفاهمات مبدئية للخروج من الأزمة السياسية، فإنه يتحتم على الإطار التنسيقي وضع معادلة حصص القوى الراغبة بالمشاركة في الحكومة وفقاً لثقلها النيابي، وحسابات «عطار المحاصصة» في العملية السياسية، كون الحكومة المطروح تشكيلها «توافقية»، والتي يتوقع أن تتضح معالمها خلال شهر آب القادم، وإن كان من المتوقع أن الحكومة الجديدة القادمة بـ«خلطة العطار» لن تعمر كثيراً، وكما قلت سابقاً «الأعمار بيد الله».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن