قضايا وآراء

قتل وتعطيش تركي

| أحمد ضيف الله

ارتكبت القوات التركية مجدداً انتهاكاً صريحاً وسافراً للسيادة العراقية، ولحياة العراقيين وأمنهم، بقصف مدفعي عنيف في الـ20 من تموز الجاري لمصيف «برخ» في ناحية دركار التابعة لمحافظة دهوك بإقليم كردستان، مستهدفاً سياحاً عراقيين قادمين من وسط وجنوب العراق، تناثرت جثث 9 منهم في أركان المصيف، بينهم ستة شبان وثلاث فتيات صغيرات، إحداهن عمرها عام، إضافة إلى إصابة 31 آخرين بجروح مختلفة.

تركيا الأردوغانية، تتمادى في اعتداءاتها العدوانية على الأرض العراقية منذ سنوات، والفاجعة الأخيرة، لم تكن مجزرة عادية، فقذائف القصف اخترقت أفراح أطفال وشباب ماتوا بلحظة حقد تركية، وما جرى حلقة من مسلسل وحشي أردوغاني شبه يومي على العراق، حيث يسقط الضحايا المدنيون بغارات جوية وقصف مدفعي وتوغل بري.

تركيا اليوم، تشغل 39 موقعاً عسكرياً داخل الأراضي العراقية، ما بين قاعدة، ونقطة عسكرية، ومركز استخبارات، بحجة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني الـ«PKK»، بعضها لا يبعد سوى بضع كيلومترات عن مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان، وآخر في عمق الأراضي العراقية على بعد 140 كيلومتراً عن الحدود العراقية التركية، كقاعدة «زليكان» في ناحية بعشيقة التي تبعد 12 كيلومتراً عن مركز مدينة الموصل!

وزارة الخارجية التركية، ورغم المواقف العراقية الرسمية والسياسية والنيابية والشعبية الشاجبة للمجزرة، تنصّلت من الجريمة، معلنة في بيان وقح، أن مثل هذه الهجمات «ينفذها تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي»، داعية الحكومة العراقية إلى «عدم الإدلاء بتصريحات تحت تأثير خطابات ودعاية التنظيم الإرهابي الغادر»!

قذائف الاستهداف المدفعي الهمجي انهالت على السياح المسالمين من نقطة عسكرية تركية تطل على المصيف، حيث لا يوجد أي نشاط لحزب العمال الكردستاني في المنطقة المستهدفة، لكونها أساساً قريبة من الحدود التركية ومحاطة بنقاط أمنية تركية.

وعلى ذات الشاكلة في وقاحة النفي والاستخفاف بالجريمة، كان السفير التركي في بغداد علي رضا غوناي قد أعلن في سلسلة تغريدات له في الـ12 من تموز 2022، أن «المياه تُهدر بشكل كبير في العراق، ويجب اتخاذ تدابير فورية للحدّ من هذا الهدر»، مشيراً إلى أن «الطريقة الأكثر فاعلية لمكافحة هذه المشكلة ليست بطلب المزيد من المياه من تركيا، ولكن باستخدام المياه المتاحة بأكثر الطرق كفاءة بهدف ترشيد استهلاك المياه».

التصريحات التركية المستهترة وغير الواقعية، وهي محاولة لخلط الأوراق، جاءت بعد إعلان الحكومة العراقية أن «إيرادات العراق من نهري دجلة والفرات تقدر بنسبة 35 في المئة مقارنة بالمعدل العام للمئة سنة السابقة»، مطالبة بزيادة الإطلاقات المائية وفقاً لاتفاقات ومعاهدات الدول المتشاطئة، حيث يعاني العراق أزمة مياه خانقة للعام الثالث على التوالي.

إن السبب الرئيس للأزمة المائية التي يعاني منها العراق، هو السياسة المائية التركية التي ألحقت الضرر بالعراق نتيجة توسعها ببناء السدود، آخرها سد «جزرة» الإروائي الذي يقع بين سد «اليسو» والحدود العراقية على بعد 35 كم منها، وهو سد خطير ومرعب ومخالف لكلّ قوانين الدول المتشاطئة، وخطورته تختلف عن باقي السدود السابقة التي كان الغرض منها توليد التيار الكهربائي فحسب، لكونه سيتسبب بقطع 56‌ بالمئة من إمدادات نهر دجلة، وتحويلها لإرواء الأراضي التركية.

رئيس الحكومة التركية الأسبق سليمان ديميريل، وخلال حفل تدشين سد أتاتورك عام 1992، أعلن أن «المياه التي تنبع من تركيا هي ملك لتركيا، والنفط هو ملك البلدان التي ينبع فيها، ونحن لا نقول لهم إننا نريد مشاركتهم في نفطهم، كما أننا لا نريد مشاركتهم مياهنا».

طوال العقود الماضية، وجه العراق نداءات مستمرة إلى تركيا للوصول إلى اتفاقية تتعلق بحصته من المياه وفق القوانين الدولية، من دون نتيجة.

تركيا اليوم تستخدم المياه كسلاح للضغط على سورية والعراق معاً، متسببة بانخفاض مرعب في منسوب مياه نهري الفرات ودجلة في كلا البلدين، مدمرة بذلك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، والثروة السمكية فيهما، كما تستخدم القوة في اجتياح حدود البلدين، لإقامة القواعد العسكرية فيها، لفرض الاحتلال كأمر واقع.

العراق ليس مطالباً بتقديم مذكرات الاحتجاج للسفير التركي ومجلس الأمن فحسب، فقد اعتادت تركيا ذلك، بل مطالب بطرد السفير التركي من بغداد، وإغلاق الحدود، وقطع أي تعاملات اقتصادية وتجارية مع تركيا، وليعلم العراقي، أن شراءك المنتجات التركية والـ60 دولاراً التي تدفعها لسمة الدخول إلى تركيا، هي من ساهمت في قتل إخوانك وجفاف أهوارك، ومن غير المعقول أن تظل صامتاً عن الضرب والإهانة من دولة لا تحترم حق الجوار، ولا تقيم وزناً لسيادة بلدك، وتهدد أمنك القومي، من دون أي ردّ فعل مناسب.

إذا كانت تركيا تفعل هكذا بالعراق وهي في حالة سلمٍ ووفاق معه، فما الحرب إذاً؟ هي حرب ويجب أن تتحمّل تركيا تبعاتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن