ثقافة وفن

«بيت العرائس».. امرأة حديدية حولت منزلها العشوائي لقصر من الدمى! … ديروان لـ«الوطن»: نحن دمى للزمن والمكان والقدر

| سارة سلامة - تصوير: طارق السعدوني

بدعوى من أكاديمية شيراز للفنون افتتح في سينما كندي دمشق العرض الأول للفيلم الوثائقي التسجيلي «بيت العرائس» إخراج غفران ديروان، في هذا الفيلم القصير تطرح المخرجة السورية قصة حقيقية لأحد البيوت المتربعة في عرش المناطق العشوائية تجعلنا نؤمن حقيقة بأهمية الإنسان وقدرة كل منا على حياكة قصته بغض النظر عن مكان إقامته، فشرعت بكاميرتها إلى منطقة المزة 86 وتحديداً إلى بيت امرأة تدعى باسمة.

منظر الحي من الخارج والصاعد إلى البناء قد لا يخيل له أنه سيدخل إلى قصر من الدمى، بيت هو من وحي الخيال لا مكان فيه للواقع.

تستعرض المخرجة حياة باسمة وزوجها وابنتهما حيث كانوا يعيشون حياة مستكينة هادئة هانئة قائمة على المحبة، كل ركن في المنزل غير طبيعي فهي تطرز الدمى وتحفظ تفاصيل كل واحدة لأن لكل منها قصة ومكانة خاصة في قلبها.

لا تزال تجلس هي وزوجها يتذكران تفاصيل عملهما سابقاً قبل اندلاع الحرب في سورية كدليلين سياحيين يعرّفان الناس بتاريخ سورية هي مقاربة مهمة أضاءت عليها المخرجة؛ ونرى باسمة تتحدث بشغف كبير عن سورية كحضارة وإنسان وتاريخ يمتد إلى آلاف السنين، وتنقلت ديروان بكاميرتها في المنزل وكيف يقوم زوجها بإعداد كل الواجبات المنزلية لتعطينا مبرراً لذلك فيما بعد، حيث تحولت حياة باسمة إلى رحلة من الألم بعد مرضها وعجزها لكنها لم تتخل عن الأمل الذي تستمده من طفلتها وهي الرافضة لكل تلك الألعاب رغم أن هذا العالم طفولي، وقالت رأيها بصراحة فهي غير سعيدة بمكان كله ألعاب ربما الطفل لا يحتاج إلى أشياء جاهزة بل يريد أن يكون له دور وخاصة أن الطفلة تحولت بشكل أو بآخر إلى دمية ويتعامل معها أهلها على هذا الأساس.

أيضاً الصوت كان له وقع خاص مثل صوت الطبخ، والحوار القائم كان تلقائياً ومؤثراً، والذروة الحقيقية في الفيلم كانت عندما تنهار باسمة وتجهش بالبكاء، هي امرأة ليست مصطنعة بل عفوية وتلقائية، تتوجع لأنها حاكت كل تلك العرائس على حين تعرف جيداً أنها لن تستطيع رؤية ابنتها عروساً رغم كل قوتها وجبروتها وأملها، ضعفت وبكت في حالة صفاء مع النفس ومحاكاة للروح،

وفي لمحة أخيرة تعي الطفلة وجع أمها وتدور في المنزل مرتدية فستان عرس حاكته من الأمل والتطلع إلى مستقبل قد يكون فيه النجاة.

في نصف ساعة من الوقت أخذتنا ديروان في رحلة لم نستطع التخلي عن المشاهدة، حركت مشاعرنا ولامست روحنا لتوثق لنا قصة امرأة تركت بصمتها وبيتها المختلف الذي تقطنه العرائس والألوان كأننا في مدينة ديزني مع فارق أنها دمى محملة بالآلام.

خاصية الفيلم التسجيلي هو نقل الواقع كما هو للجمهور، إلا أننا ندخل مكاناً ليس له علاقة بالواقع فيه الكثير من الغرائبية، حالة الانفصال تحوي شيئاً من السريالية لتقفل بالموسيقا الإيطالية التي تتقنها باسمة مودعين شرفتها التي بدت خالية اليوم.

يحمل قصصاً إنسانية

وفي تصريح خاص لـ«الوطن» بينت المخرجة غفران ديروان أن: «الفيلم وثائقي تسجيلي من إنتاج أكاديمية شيراز، ويتحدث عن عائلة تقطن في حي عشوائي ببيت غريب ومختلف عن الواقع الذي نعيشه، وهذا البيت تملؤه العرائس والأحلام والآلام أيضاً، إضافة إلى أنه يحمل قصصا إنسانية، كما أنه يتطرق للحرب بشكل أو بآخر».

وأوضحت ديروان أن «الممثلين هم حقيقيون من الواقع لأنه فيلم وثائقي، وهم أناس التقيتهم وأحببت أن أنجز معهم هذا الفيلم لأن تسليط الضوء على حالتهم أمر مهم، وبالطبع الألم الذي بالقصة شبيه بآلامنا جميعاً ومر على كل السوريين».

وعن مقولة الفيلم قالت ديروان: إننا «جميعاً نشعر بأن الدنيا تلعب بنا بمعنى نحن دمى للزمن والمكان والقدر، والكثير من الأحيان تحصل أمور خارج إرادتنا، القدر هو الذي يلعب بنا فيمكن للإنسان أن يكون سعيداً جداً من الخارج لكن بداخله يتمزق هذا الذي أريد أن أصل له».

عن ميزة الفيلم القصير قالت ديروان: إنه «بوقت قصير نستطيع أن نقدم أفكاراً كبيرة جداً وتكثف المعلومات أكثر، هذا الفيلم بالنسبة لي هو الأطول من كل الأفلام التي اشتغلتها وهذا الفيلم الرابع لي، حيث اشتغلت فيلمين سينما تجريبية وفيلمين وثائقيين وهذا الفيلم التسجيلي الثاني، وبما أنه قصير يجب أن نوصل الأفكار بشكل مكثف وبأقل وقت».

وعن تحضيراتها قالت: «في بالي أفكار فقط تتخمر وعندما تصبح الفكرة أكثر وضوحاً أظهرها،ولابد من الإشارة إلى صعوبات نعاني منها وخصوصاً بالتحضير للفيلم الوثائقي مسألة تأمين مهمات وموافقات في المناطق وهي غير ممكنة بسهولة، كما أن أكثر ما نواجهه هو مشكلة الإنتاج في بلدنا حيث لا نملك شركات إنتاج تدعم الفيلم القصير ليس لدينا سوى المؤسسة تدعم الشباب».

الواقع كما هو للجمهور

من جهتها قالت إلهة موسوي وهي مديرة أكاديمية شيراز للفنون: إن «هذا الفيلم الوثائقي هو نوع من الأفلام التي تقدم الواقع كما هو للجمهور، بكل تفاصيله وحيثياته، على حين الفيلم السينمائي يأخذ فكرة من الواقع؛ أو عن فكرة موجودة في ذهن الكاتب أو في ذهن المنتج، لاشك أنها تعبر عن الحقيقة بشكل أو بآخر ولكن الأفلام التسجيلية هي نقل الواقع كما هو للجمهور، وركز الفيلم على الناس والمناطق العشوائية وشارك إحدى العائلات قصتها، وهذه المرأة التي نتعلم منها الكثير، وأضاء على كم الآلام التي تكابد المرأة في رسم أحلامها وتكوين أسرتها والعمل والحنو وأخيراً مصارعة المرض مع التماس الأمل».

وأضافت موسوي: إن «المرأة باسمة لا يمكن أن تكون نموذجاً خاصاً إنما هي نموذج عام، على كل السيدات في الوطن العربي ليس فقط في سورية هناك الكثير من الصعوبات التي تعاني منها المرأة وتعاني منها العائلة في سورية تحديداً، ولكن كما رأينا رغم هذا الألم ورغم المرض كان هناك أمل وتطلع إلى المستقبل الموجود عند هذه الأم باسمة، وكانت تنظر إلى الأمل من خلال مستقبل ابنتها».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن