قضايا وآراء

المتفجرة التالية لأوكرانيا والصدام الأميركي مع الصين وروسيا

| الدكتور قحطان السيوفي

قراءة التاريخ والواقع توضح ما يعنيه سقوط «الخطوط الحُمر» في عالم مضطرب وأهم هاجس لقياداته «تصحيح أخطاء التاريخ» ومع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، انطلقت التخمينات إزاء المواجهة بين أميركا والصين بسبب تايوان.

يبدو أن الزيارة التي قامت بها رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان، والزيارة اللاحقة لحاكم ولاية إنديانا إلى تايوان ذكـرت العالم بمدى أهمية تايوان للصين، وتمكنت الولايات المتحدة عبر الزيارة من تحويل الأنظار إلى الشرق الأقصى، الزيارة جاءت في سياق سياسة تصعيد بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، لتعكس ازدياد التوتر بين البلدين في منطقة المحيطين الهادي والهندي.

الصين تعتبر تايوان إقليماً انفصالياً، وفي 1979 اعترفت الولايات المتحدة رسمياً بجمهورية الصين الشعبية على اعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة للصين، وامتنعت الدول الغربية عن الاعتراف بتايوان كدولة منفصلة.

زيارة بيلوسي صنفها يعض المحللين بأخطر لحظات التوترات للعلاقات الأميركية الصينية التي تتردَّى بسرعة كبيرة وعدّها البعض الآخر بمنزلة استفزاز غير مدروس، ومزايدات سياسية داخلية، ووصفت وزارة الخارجية الصينية الزيارة بأنها «بلطجة» أميركية واستفزاز سياسي وسلطت الضوء على إستراتيجية أميركا غير المترابطة والفوضى في سياسات إدارة جو بايدن، في وقت أميركا ذاتها مشغولة بحرب أوكرانيا والتوتر مع روسيا.

بالمقابل اعتبرت روسيا زيارة بيلوسي إلى تايوان «استفزازاً صرفاً»، مشدّدة على «تضامن روسيا المطلق» مع الصين، ومتهمةً الولايات المتحدة بـ«زعزعة العالم» من خلال إحداث توترات بشأن تايوان.

بمرور الزمن بزغ واقع عالمي جديد، له موازينه، وطموحاته، وأيضاً «خطوطه الحُمر». ولئن سقط مفهوم «الشيوعية الكلاسيكية» التي ارتبطت بسادة الكرملين، فقد نهض من رماد هذا المفهوم «طائر فينيق» قومي استفاد من انهيار الثنائية القطبية، وبالمقابل أخذ حلف شمال الأطلسي «ناتو» يتمدد داخل أراضي حلف «وارسو» السابق.

هذا الواقع ترك آثارَه على روسيا بعد صعود الرئيس فلاديمير بوتين القائد الوطني الشاهد الغاضب على قرار الغرب تجريد روسيا من شقيقتها أوكرانيا «خط دفاعها الأكبر»، في وجه مد نفوذ الغرب شرقاً، واليوم يقوم بوتين بـ«تصحح الخطأ التاريخي» الذي مزق الكيان القيصري – السوفييتي، في نهاية الثمانينيات.

إن التصعيد الأميركي الصيني خلق أزمة خطرة في وقت لا يحتاج العالم إلى المزيد من الأزمات، فحرب أوكرانيا أربكت العالمَ، فما بالك بحرب في تايوان، ومواجهة بين أميركا والصين، بل بين الغرب من ناحية والصين وروسيا من ناحية أخرى.

من أبرز مؤشرات هذا التصعيد مشاركة كل من اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزلندا في قمة منظمة حلف شمال الأطلسي التي عُقدت في مدريد في نهاية شهر حزيران. قمة أكدت قلق الحلف من الشراكة الإستراتيجية بين روسيا الاتحادية والصين الشعبية والتعاون والتنسيق المتزايد بين الطرفين منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، وسبق ذلك «رسالة» صينية روسية مشتركة عبر طلعات عسكرية في شرق آسيا.

وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن أكد أن الصين الشعبية تشكل «أخطر تحدٍّ» يواجه الولايات المتحدة على المدى الطويل. علما أن سياسة واشنطن بالنسبة لتايوان تقوم على ما يُعرف بالغموض الإستراتيجي، فهل أسقط الرئيس بايدن هذا المبدأ أخيراً عندما أعلن عن تمسك بلاده بالدفاع عن تايوان فيما لو تعرضت لهجوم من الصين الشعبية.

الرئيس الصيني شي جين بينغ، رد بقوة وغضب على الاستفزاز الأميركي لكن الرد كان محدوداً وحكيماً لأن شي، لا يريد المخاطرة بخطوات تهزّ الاقتصاد الصيني في وقت خرج للتو من تداعيات جائحة كورونا، وأبلغ شي بايدن بأن أميركا تلعب بالنار إذا حاولت انتهاك سياسة الصين الواحدة.

هناك الكثير من أوجه الشبه بين تعاطي الأميركيين مع «المطالب الأمنية» الروسية التي أدى تجاهلها إلى الحرب الأوكرانية الحالية، وبين تعاطيهم مع حساسية الصين تجاه مسألة سيادتها على أرضها، وكذا مبدأ «الصين الواحدة»، والعلاقة الجيوسياسية بين واشنطن وبكين تعتبر أهم صدام بين دولتين في العالم، حيث يتكشف كصراع أجيال بين حضارتين حريصتين على ترسيخ قيمهما وأنظمتهما الاقتصادية.

وبينما تواصل الولايات المتحدة التمسّك بـ«دبلوماسية الزوارق الحربية» الهادفة إلى محاصرة الصين واحتوائها، أكد «الكتاب الأبيض» الصيني من أننا «لن نتخلّى عن احتمال استخدام القوّة لحماية أنفسنا من التدخّل الخارجي».

هل نشهد بلورة وتحديد قواعد اللعبة في نظام حرب باردة جديدة وفي ظل صراع غربي بقيادة واشنطن مع روسيا الاتحادية حول أوكرانيا في المسرح الأوروبي إضافة إلى صراع آخر مع الصين الشعبية في مسرح شرق آسيا حول تايوان؟

إن التطورات القادمة ستبلور هذا النظام العالمي الجديد بقواعده وسلوكيات أطرافه بعد انتهاء عصر الأحادية الأميركية.

هل تكون تايوان المتفجرة التالية لأوكرانيا في حروب أميركا التي وضعت العالم، في ظلّ أوضاع متوترة، يبدو ربما على بعد خطوة غير محسوبة من كارثة قد تقود إلى حرب نووية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن