قضايا وآراء

الاعتزال الدامي

| أحمد ضيف الله

على نحو مفاجئ، قرر مقتدى الصدر في تغريدة له في الـ29 من آب 2022 «عدم التدخل في الشؤون السياسية»، معلناً «الاعتزال النهائي وغلق المؤسسات إلا المرقد والمتحف الشريفين وهيئة تراث آل الصدر، والكل في حل مني، وإن مت أو قتلت فأسالكم الفاتحة والدعاء».

اعتزال مقتدى الصدر العمل السياسي، كان رد فعل غاضب من مرجعه الديني كاظم الحائري الذي أعلن في بيان له صباح الـ29 من آب 2022، اعتزال العمل الديني «بسبب المرض والتقدم في العمر»، مهاجماً مقتدى الصدر من دون تسميته، بالقول: إنه «على أبناء الشهيدين الصدرين أن يعرفوا أن حب الشهيدين لا يكفي ما لم يقترن الإيمان بنهجهما بالعمل الصالح والاتباع الحقيقي لأهدافهما التي ضحيا بنفسيهما من أجلها، ولا يكفي مجرد الادعاء أو الانتساب، ومن يسعى لتفريق أبناء الشعب والمذهب باسم الشهيدين الصدرين، أو يتصدى للقيادة باسمهما وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعية فهو، في الحقيقة، ليس صدرياً مهما ادعى أو انتسب».

في المفهوم الشيعي، المرجعية الدينية هي رجوع المسلمين الشيعة إلى من بلغ رتبة «الاجتهاد والأعلمية» في استنباط الأحكام الشرعية، ممن أصبح مؤهلاً لمنصب الإفتاء وإصدار آرائه في الأحكام الفقهية. والشيعة عموماً، هم من المقلدين للمجتهدين، يعملون بفتوى ما توصل إليه المجتهدون.

مقتدى الصدر من مقلدي المرجع الديني كاظم الحائري المقيم في إيران، وهو أحد وكلائه، وكثير من أتباع التيار الصدري من مقلّدي الحائري، بحسب وصية والده محمد صادق الصدر، وبالتالي اعتبر مقتدى الصدر بيان المرجع الديني كاظم الحائري، انتقاداً وتوبيخاً صريحاً له، وسحب للبساط الديني والسياسي من تحته، ما استدعى اعتزاله السياسي، والرد على مرجعه في بيان اعتزاله، بأنه «يظن الكثيرون بما فيهم المرجع كاظم الحائري أن هذه القيادة جاءت بفضلهم أو بأمرهم، كلا إن ذلك بفضل ربي أولاً ومن فيوضات الوالد، الذي لم يتخل عن العراق وشعبه»، موضحاً «إنني لم أدع يوماً العصمة أو الاجتهاد ولا حتى القيادة، إنما أنا آمر بالمعروف وناه عن المنكر».

بعد دقائق من إعلان مقتدى الصدر اعتزاله، تحرك أنصاره الذين كانوا معتصمين أمام المجلس النيابي، باتجاه مواقع أخرى داخل المنطقة الخضراء، ليقتحموا مقر رئاسة الوزراء ومباني حكومية أخرى، بالترافق مع توافد المئات من أنصار التيار الصدري من مختلف المناطق البغدادية، إثر دعوتهم من بعض المساجد في بغداد بالتوجه صوب المنطقة الخضراء لنصرة إخوانهم الصدريين! لتندلع مواجهات عنيفة بين أنصار الصدر والقوات الأمنية المكلفة حماية المنشآت الحكومية، بدأت باستخدام القنابل المسيلة للدموع، لتتطور لاحقاً باشتباكات عنيفة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة وقاذفات الـ«آر بي جي»، لتزداد حدتها ليلاً بسقوط الصواريخ وقذائف الهاون على المنطقة الخضراء، ولم تتوقف إلا في صباح اليوم التالي، حين أعلن مقتدى الصدر في مؤتمر صحفي في النجف في الـ30 من آب 2022، أنه «إذا لم ينسحب كل أعضاء التيار الصدري خلال ستين دقيقة من كل مكان، حتى من الاعتصام، أنا أبرأ منهم»، مقدماً اعتذاره إلى الشعب العراقي «المتضرر الوحيد مما يجري»، مضيفاً «بئس الثورة التي تتحكم فيها الهاونات والصواريخ»، فـ«الثورة التي شابها العنف هي ليست ثورة»، مشيراً إلى أن «أفراد الحشد الشعبي ليس لهم علاقة بالعنف عكس قياداتهم»، مؤكداً القول: «لن أتدخل بأي سياسة من الآن فصاعداً وأرجو عدم توجيه أي سؤال سياسي لي».

إعلان مقتدى الصدر اعتزاله العمل السياسي الذي أدى إلى سقوط نحو 30 ضحية وإصابة أكثر من 700 شخص بجراح مختلفة، ليس الأول، ففي الـ4 من آب 2013، كان قد قرر اعتزال الحياة السياسية لكن هذا القرار لم يستمر سوى شهر واحد، وفي منتصف شباط عام 2014، أعلن انسحابه من العمل السياسي وحل تياره وإغلاق جميع مكاتبه السياسية «حفاظاً على سمعة آل الصدر» بحسب بيانه، ثم عاد للواجهة السياسية من جديد، كذلك أعلن في الـ15 من تموز 2021، أنه لن يشارك في الانتخابات النيابية المبكرة، معلناً انسحاب مرشحيه منها، لما في العراق «من بلاء وفساد وظلم»، ثم عاد. وفي الـ15 من حزيران 2022، أبلغ نواب كتلته المستقيلين وقادة تياره، أنه قرر «الانسحاب من العملية السياسية حتى لا أشترك مع الفاسدين بأيّ صورة من الصور»، ثم عاد، إلا أنه بخلاف المرّات السابقة، كان اعتزاله هذه المرة دامياً، متنصّلاً من تحمله مسؤولية ما قام به أنصاره، وسيعود.

المهم الآن، أن الغمة زالت والعراقيون تنفسوا الصعداء، ولو مؤقتاً. فسلامٌ لـ«مدينة السلام» التي ما رأت يوماً سلاماً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن