من دفتر الوطن

شو نفع الحكي!

| عصام داري

قررت وأنا بكامل قواي العقلية التوقف نهائياً عن الكتابة على الأسعار والنار والغلاء والبلاء وسيرة الدواء، وعن الرز والزيت والسكر والمحروقات التي تحرق الروح والعقل والجسد والرواتب والأجور!

فبعد اجتماع مغلق عقدته بيني وبين نفسي، وبعد الاتكال على اللـه والشعب اتخذت هذا القرار الخطير والمثير.

وقبل المضي قدماً في الكتابة يجب أن أوضح سبب الاتكال على اللـه والشعب، وسأستعين في ذلك بمسرحية «يعيش بعيش» للرحابنة، فالصبية هيفا «فيروز» تسأل جدها أبو ديب «نصري شمس الدين» عن السبب الذي تبدأ الانقلابات السياسية بعبارة «بعد الاتكال على اللـه والشعب» فيجيبها بالقول: «لأن اللـه والشعب بيطولوا بالهم كتــير!».

نعود إلى موضوعنا، ولماذا قررت التوقف عن كتابة كل ما له علاقة بالأسعار والغلاء وكل أنواع البلاء التي كتبت على السوريين منذ أكثر من عشر سنوات عجاف!.

السبب الأول أن كل كتاباتي السابقة ذهبت أدراج الرياح، فالحكومة الموقرة لم تسمع باسمي وليس بما أكتب، مع أن كل التعليقات، وعلى الأقل معظم تلك التعليقات تخبرني بأنني أكتب بلسان الناس وأعبر عن مشاكلهم ويومياتهم «النزقة» والمعترة!.

وكل التعليقات، أو أغلبها تنتهي بالعبارات التالية: «ما في حدا لحدا، أو سمعان مو هون»، أو لا حياة لمن تنادي، أي باختصار تنتهي بفعل مستخدم كثيراً اسمه فعل التطنيش، ومن بعده التفنيش والتطفيش الذي يوصلنا إلى البخشيش، وما أدراك ما البخشيش الذي كان بالليرات وصار بالملايين، وإن لم تدفع البخشيش صعب أن تعيش وستلاقي الكثير من التدفيش، ويعيش يا زمن يعيش!.

بالمصادفة أسمع هذه اللحظة من التلفاز أغنية تقول: شو نفع الحكي! فعلاً شو نفع الحكي إذا كانت كلماتنا جميعاً، أي معظم السوريين «الغلابة» لا تصل إلى أي أحد في حكومتنا الموقرة، نريدكم فقط أن تسمعوا شكوانا، أم نعود إلى الحكمة التي تقول إن الشكوى لغير اللـه مذلة؟

ما نفع الحكي في الرفع المتتالي لأسعار كل السلع، والرفع الذي نقصده ليس ما يخص التجار وحسب، بل الحكومة سبقت التجار فرفعت أسعار بعض السلع بما يزيد على أربعمئة بالمئة، والسكر خير مثال، ولا ننسى الرز والزيت بأنواعه والمحروقات التي سحبت معها كل الأسعار نحو الطوابق العليا فما معنى أن تتجاوز باقة البقدونس والكزبرة حاجز الأربعمئة ليرة، وأن يتجاوز سعر كيلو اللبن ثلاثة آلاف ليرة؟ وبإمكانك أن تتحدث عن كل شيء من دون استثناء.

شو نفع الحكي إذا قلنا إن استبعاد معظم الناس من «خيرات» البطاقة الذكية، وحرمانهم من الأسعار المخفضة نسبياً للمحروقات والسكر والرز والخبز وغير ذلك، حول هؤلاء المستبعدين إلى أشباه متسولين، بكل ما لهذه الكلمة من معنى!!

يا جماعة.. قال الكثير قبلي إن الجباية والضرائب وزيادة الأسعار والتضييق على المواطن الفقير أصلاً لا يملأ خزينة الدولة أو يسد عجزها..

عذراً .. نسيت نفسي، ألم أقل إنني قررت عدم الكتابة عن الأسعار والغلاء والبلاء.. عفواً.. سامحوني هذه المرة فقط، انتهى!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن