قضايا وآراء

انتخابات الكيان الإسرائيلي ومهام حكومته المقبلة

| تحسين الحلبي

يبدو أن قادة المشروع الصهيوني في الكيان الإسرائيلي أدركوا أن كيانهم ازدادت عوامل تآكل وجوده وانخفضت التوقعات بنجاحه في المستقل المنظور على النحو الذي خططوا له منذ عام 1948 وهذا ما جعلهم يتجهون نحو زيادة التطرف في شعاراتهم الانتخابية إلى حد يصعب فيه أن تنطبق عليهم العبارات التقليدية التي صبغوا بها أنفسهم مثل «يسار» أو «وسط» أو «يمين ويمين متشدد»، وأصبح حجم ما يسمى اليسار والوسط معاً بموجب آخر استطلاع للرأي نشرته معاريف في التاسع من أيلول الجاري أي، حركة ميريتس وحزب العمل، لا يتعدى تسعة مقاعد من مجموع 120 مقعداً بعد أن كان حزب العمل أكبر الأحزاب منذ عهد بن غوريون عام 1948 حتى شمعون بيريس وبلغ حجم اليمين بشكل عام 38 مقعداً في حين بلغ عدد مقاعد اليمين المتشدد 59 مقعداً تضم الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو 31 مقعداً، وتجمع المتدينين الصهيونيين مع حزب القوة اليهودية 13 مقعداً، وحركتي شاس ويهود التوراة 15 مقعداً، فيصبح عددهم 59 مقعدا، فتكون لهم الفرصة الأفضل لتشكيل الحكومة المقبلة بعد تشرين الثاني المقبل أو إعادة الانتخابات المبكرة للمرة السادسة.

إن أبرز القوى القديمة الجديدة، في هذه التشكيلة هو تجمع اليمين المتشدد من حزب الصهيونيين المتدينين وحزب القوة اليهودية المرشح للفوز بـ13 مقعداً، فهو الحزب الذي يقوده إيتامار بن غفير الذي راهن على زيادة تطرفه لكسب أصوات جديدة من الوسط الانتخابي الخاص باليمين بشكل عام وباليمين المتشدد، وهذا ما يشكل عودة لأنصار أهم شخصيتين عنصريتين إرهابيتين في الأحزاب الإسرائيلية وهما مائير كاهانا، عضو الكنيست عام 1984 الذي دعا إلى القيام بترحيل الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية عام 1948 إلى الخارج بكل أشكال القوة والوسائل تمهيداً لترحيل الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، والشخصية الثانية هي باروخ غولد شتاين تلميذ كاهانا أيضاً والذي نفذ مذبحة بالفلسطينيين في شهر رمضان من عام 1994 حين حمل أسلحته ودخل قاعة مسجد سيدنا إبراهيم في مدينة الخليل في أثناء ركوع المصلين في صلاة الظهر وأطلق النار عليهم من رشاشاته فقتل ثلاثين وأصاب بجراح أكثر من مئة وخمسين إلى أن تمكن الشباب في المسجد منه وقتلوه بسلاحه نفسه، فايتامار بن غفير يعد كهانا وغولدشتاين من أهم المعلمين سياسياً وفكرياً، وهو يضع في ديوان بيته صورة كبيرة لغولدشتاين وكاهانا بموجب ما ذكره عدد من طلاب المدرسة الثانوية في أثناء محاضرات له بين الشبان الذين يجندهم في حزبه وخطته، وهو الذي كان يحشد المستوطنين المسلحين من حوله حين كان يحاصر حي الشيخ جراح في مدينة القدس لطرد الفلسطينيين من الحي والاستيلاء عليه، وكان شعاره الانتخابي بين الشبان المستوطنين هو: «انتخبوني لكي أصفي وجود الفلسطينيين»، ولا شك أن احتمال فوز تجمعه الحزبي بـ13 مقعداً لأول مرة سيدفع حزب نتنياهو إلى تجنيده في حكومته الائتلافية إذا تمكن من زيادة عدد مقاعد كتلته من 59 إلى 61 مقعداً، في حين سيواجه اليمين التقليدي برئاسة يائير لابيد وبيني غانتس صعوبة كبيرة لجمع 61 مقعداً وخاصة أن أعضاء الكنيست من القائمة العربية المشتركة بقيادة أيمن عودة سيستحيل عليهم حين يفوزون بسبعة أو ستة مقاعد منح كتلة نتنياهو ما تحتاجه من مقاعد لتشكيل الحكومة الائتلافية كما سيصعب على المقاعد الأربعة التي سيفوز بها الجناح المنشق عن القائمة العربية المشتركة منح نتنياهو هذه الفرصة لأن بن غفير سيرفض مشاركته.

بغض النظر الآن عن الكتلة التي ستشكل الحكومة الائتلافية المقبلة يبدو من الواضح أن أهم ما ستضعه أي حكومة في تل أبيب من أولوية على جدول عملها هو موضوع التخلص من الأغلبية الفلسطينية التي أصبحت تفرض وجودها وحجمها على مستقبل المشروع الصهيوني ومستقبل وجوده على الأرض ناهيك عن تصعيد المقاومة المسلحة التي تحشدها على مساحة الوطن الفلسطيني، ولذلك يرى عدد من المحللين السياسيين في تل أبيب أن الحكومة المقبلة ستواجه أخطر التطورات على مستقبل الكيان الإسرائيلي ووجوده ولن تجد أمامها سوى خيارات ضيقة وصعبة لكي تنجح في تجاوز أكبر أزمة لوجود هذا الكيان ومستقبله بعد تآكل جاذبية المشروع الصهيوني عند نسبة من المستوطنين وعند معظم يهود العالم الذين انحسرت هجرتهم إلى هذا الكيان إن لم تكن قد توقفت تقريباً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن