قضايا وآراء

أوروبا وطريق العودة إلى موسكو

| هديل علي

مهما حاولت دول الاتحاد الأوروبي الترويج لأخبار مفادها أنها وصلت بمخزونها من الغاز إلى 80 بالمئة من حاجياتها بحلول بداية أيلول، وأنها ستصل إلى نسبة 90 بالمئة في تشرين الثاني المقبل، إلا أنها تبقى أمام واقع عنوانه الأبرز عدم القدرة على الاستغناء عن الغاز الروسي ومصادر الطاقة الأخرى الواردة من شرق القارة.

ولعل الدليل الأكثر وضوحاً على ما سبق هو إعلان المفوضة الأوروبية للطاقة كادري سيمسون عقب اجتماع طارئ لوزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي، عن عدم قدرة دول الاتحاد على الاتفاق على تحديد سقف لسعر الغاز الروسي، وهي فكرة حمقاء بحسب أحد المحللين لأنها تعني فرض حد أقصى للسعر الذي يدفعه المستهلك، ونشوء عجز سببه تزايد الكمية المطلوبة عن الكمية المعروضة عند ذلك السعر المفروض ما دام أدنى من سعر السوق الناشئ عن تفاعل العرض والطلب، ولا يمكن الحفاظ فعلياً على سعر أدنى من السعر التوازني، إلا بزيادة الكمية المعروضة لتغطية الكمية المطلوبة الكبرى عند السعر الأدنى.

كل العالم بحاجة إلى روسيا، مع ملاحظة تفاوت هذه الحاجة بين دول بعينها، منها ما هو الحليف ومنها ما هو الشريك ومنها ما هو العدو أيضاً، وظهر ذلك جلياً من خلال منتدى الشرق الاقتصادي الروسي، والذي شارك فيه ممثلون عن أكثر من 40 دولة وأكثر من 7000 ضيف بمدينة فلاديفوستوك، التي شهدت توقيع اتفاقيات بقيمة 3,2 تريليونات روبل.

ذلك كله يضعنا أمام خيارين بالنظر إلى الوضع الأوروبي، فإما أنها لا تدرك إلى أين تسير خلف السياسات الأميركية، أو أنها تسعى لتفكيك الكتل السياسية والاقتصادية الضخمة التي تسمى الاتحاد الأوروبي وأيضاً نزولاً عند رغبة واشنطن، وفي كلا الخيارين أوروبا متجهة إلى التشظي بكل ما للكلمة من معنى، وليست الخطة الفرنسية الجديدة لإقامة مجتمع سياسي أوروبي جديد يشمل تركيا وأوكرانيا إلا محاولة فاشلة للتغطية على التفكك القادم مع أولى أزمات البرد والشتاء القارص ونقص موارد الطاقة.

روسيا قادرة على خلق أسواق جديدة لمنتجاتها كافة، وهذا ما قاله مدير معهد آسيا وإفريقيا بجامعة موسكو الحكومية أليكسي ماسلوف، الذي شارك في المنتدى الاقتصادي لصحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» بأن موسكو يمكن أن تعتمد على دول مثل الصين والهند وإندونيسيا وفيتنام وماليزيا ومنغوليا، لكن بحسب حاجة هذه الدول لمقدار الدعم، فهناك عدد من الدول تتحدث عن ضرورة أن تستثمر روسيا فيها، فميانمار ومنغوليا تريدان من روسيا أن تستثمر في مشاريعهما الوطنية الكبرى، فيما لا تركز الهند والصين وماليزيا على العلاقات الثنائية بمقدار ما تسعى لتطوير نظام جديد للعلاقات التجارية الدولية، وبالفعل اتخذت موسكو وبكين كقوى اقتصادية عملاقة الخطوة العملية الأهم في سياق هذه التجاذبات السياسية والاقتصادية والعسكرية الضخمة والمهمة، حيث أعلنت مجموعة «غازبروم» الروسية العملاقة للطاقة قبل أيام أن الصين ستبدأ بتسديد ثمن شحنات الغاز الروسي بالروبل واليوان بدلاً من الدولار.

إذا كان الجزء الأكبر من أوروبا ذهب بالعداء مع روسيا إلى نقطة اللاعودة، إلا أن هناك جزءاً كبيراً من دول القارة العجوز يحفظ جيداً طريق العودة إلى أحضان موسكو الدافئة، وخاصة مع تناقص عداد الوقت باتجاه شتاء أوروبي لا يرحم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن