سورية

الرئيس الأسد لطلاب مركز المتميزين وكوادره: عودتكم هي رسالة البناء في مواجهة التهديم والتدمير.. والعلم في مواجهة الجهل

| الوطن

اعتبر الرئيس بشار الأسد، أن إعادة افتتاح المركز الوطني للمتميزين هي مناسبة فرح لكنه يحمل مسحة من الحزن على السنوات التي ضاعت على هذا المركز، وعلى الدمار الذي حل به، بفعل الإرهاب الذي دمر هذا المركز وغيره من منشآت وصروح ودمر مدناً في مناطق مختلفة من سورية وأعاق عملية التطوير والتحديث وأعاد الوطن إلى عقود للوراء، مؤكداً أن هذه العودة هي رسالة شؤم بالنسبة لكل من وقف خلف الإرهابيين ودعم التدمير وتآمر على سورية، أما بالنسبة لأبناء الوطن بمختلف أطيافهم الوطنية فهي رسالة فرح ورسالة فخر ورسالة أمل بقدرة طلبته وبإمكاناتهم وتفوقهم وقدرتهم وأمل بإنجازاتكم.

وخلال زيارته أمس للمركز الوطني للمتميزين في حمص بعد إعادة افتتاحه إثر توقفه لسنوات جراء الإرهاب، اطلع الرئيس الأسد على الأقسام المخبرية والتعليمية، واجتمع مع مجلس أمناء هيئة التميّز والإبداع، ومجلس الشؤون العلمية لمركز المتميزين ولجنة الخبراء والمختصين، وناقش معهم طروحاتهم وأفكارهم حول النهوض بالتعليم بما يتماشى مع التغيرات العلمية والاقتصادية، وكيفية دعم المسار البحثي لينعكس في قطاعات الإنتاج والخدمات.

الرئيس الأسد تحدث لطلاب المركز وكوادره، وللخبراء والمختصين عن رسائل عودة المركز إلى مقرّه في حمص، وعن التغيرات التي حصلت في سورية وما تستدعيه من مهام إضافية لخريجي المركز في الجوانب العلمية والإنتاجية والاجتماعية، وعن تطوير المعارف والمهارات الشخصية، وبارك لهم العودة للمركز الذي أسس عام 2009 ليكون منارة علمية واجتماعية ووطنية، وقال: «يسعدني أن أكون معكم في اليوم الدراسي الأول للعام الدراسي الأول بعد افتتاح المركز، إثر انقطاع دام عشر سنوات، وبعد 13 عاماً من تدشينه، ورغم أن هذه المناسبة هي مناسبة فرح، إلا أن هذا الفرح يحمل مسحة من الحزن على السنوات التي ضاعت على هذا المركز، وعلى الدمار الذي حل به بفعل الإرهاب الذي دمر هذا المركز وغيره من منشآت وصروح، ودمر مدناً في مناطق مختلفة من سورية وأعاق عملية التطوير والتحديث وأعاد الوطن إلى عقود للوراء».

وأشار الرئيس الأسد إلى أن كل هذا الدمار لم يتمكن من إيقاف عملية التعليم في المركز الوطني للمتميزين، التي انتقلت من محافظة لأخرى ومن جامعة إلى أخرى دون توقف، وكان هناك إصرار من قبل الطلاب والأهالي والقائمين على العمل من أجل الاستمرار في هذه العملية التعليمية، وتجاوز كل الظروف القاسية، وهذا الإصرار تجسد من خلال تكاتف وتعاضد بين مختلف الجهات المعنية لهذه الغاية، حيث تمكنا من الاستمرار بها ولاحقاً العودة للموقع الأصلي للمركز وإلى المهمة الأساسية لهذا المركز.

الرئيس الأسد بيّن أنه بعد عشر سنوات من عودة المركز فإنه من الناحية العلمية هناك قطاعات جديدة ظهرت، وبالوقت نفسه حصل في سورية تغيرات كبيرة، فلو لم يكن هناك حرب فعشر سنوات كافية لتغير المجتمع بشكل كامل، وعندما يكون هناك حرب يكون هناك تغييرات جذرية، وبالتالي لا بد للعملية التعليمية أن تتغير بجوهرها باتجاه التطور بما يتماشى مع التغيرات العلمية من جانب والاجتماعية والوطنية من جانب آخر، أي يجب التفكير باتجاه المستقبل والتطوير من خلال الدروس المستفادة من هذه الحرب.

وقال: «عندما تم تأسيس المركز عام 2009 كان الهدف الأساسي في ذلك الوقت دعم عملية التطوير التي تحصل في سورية بكوادر متميزة لأنه لا يمكن للتطوير أن يكون مستورداً ولا بد أن يكون هناك إبداع فكري وعلمي محلي، أما اليوم وبعدما حصل في سورية وانطلاقاً من الدروس المستفادة فهناك مهام إضافية تضاف لكوادر الخريجين لاحقاً، ليست فقط في المجال العلمي وإنما في الجانب الاجتماعي، معتبراً أن ما دمر سورية هو الجهل وهذا الجهل أخذ الناس باتجاهين، جزء منهم ذهب إلى الإرهاب تحت عناوين مختلفة خاطئة، وجزء آخر أخذ أشخاصاً يحبون بلدهم لكنهم لم يفهموا في البداية حقيقة ما حصل، ولأن الجهل منتشر ذهبوا في الاتجاه الخطأ وخدموا الأعداء من دون معرفة ومن دون قصد».

وأكد الرئيس الأسد أنه لا بد لنا من السير بعدة اتجاهات من الآن وصاعداً بعد العودة لهذا المركز، أولها تطوير المعارف التي تعتمد على المعلومات، ولكن لكي نستفيد من المعارف لا بد من أن نرفع قدرة التحليل، ولكي نحلل المعلومة ونستفيد منها ولكي نستفيد من التحليل لابد من تعزيز الحوار، لأن الحوار هو الذي يحول التحليل من الحالة الفردية إلى الحالة الجماعية، والحالة الجماعية هي الحالة الأكثر فائدة والأكثر إثماراً ونتاجاً وصحة بشكل عام، معتبراً أنه ومن الجانب الآخر لا بد من التركيز على الصفات الشخصية للخريجين ويجب أن يعي كل من المدرس والطالب هذه النقطة ويعي أن عليه واجباً بتطوير شخصيتيه باتجاهات محددة.

وأضاف الرئيس الأسد: «بالعودة للتحليل والحوار فهي صفة ترتبط بالجانب العلمي وهي صفة ترتبط بالجانب الشخصي، فلا نستطيع الفصل بين الأولى والثانية، فعندما افتتح المركز عام 2009 كان موضوع تطوير الشخصية عنواناً أساسياً، وهناك اختلاف بين المتفوق والمتميز بعدة جوانب ولكن الأساس هي الشخصية، وبالتالي اليوم لم يختلف المبدأ ولكن اختلفت المتطلبات وهذه المتطلبات لو عدنا إلى ما رأيناه خلال الحرب نستطيع أن نرى بوضوح ما هي النقاط التي يجب أن نركز عليها».

ولفت الرئيس الأسد إلى أن أول نقطة في الشخصية محبة الوطن، وهنا ليست القضية الحب بمعنى العاطفة فالوطن لايحتاج لعواطفنا والموضوع مختلف تماماً، فحب الوطن هو إنجاز وعمل، والوطن ليس بحاجة لعواطفنا وإنما بحاجة لعملنا ولما نقدمه له ولمن يضحي لأجله ويعمل لأجله، ولمن يعمل له ومن يطوره ويدافع عنه، مبيناً أن فكرة التضحية هي ليست فقط التضحية بالروح إنما هناك أشكال مختلفة للتضحية، ومنها بذل الجهد بالحد الأقصى، والعمل بالظروف القاسية جداً وغير معقولة هي أيضاً تضحية، وقال: «هناك الكثير من المتفوقين الذين أحبوا وطنهم لكنهم لم يقدموا شيئاً له خلال الحرب، وهناك مجموعات من هؤلاء أحبت وطنها لكنها قررت أن الظروف صعبة وعليها أن تدير ظهرها وتسافر وغير مستعدة أن تتعذب، وهذه المجموعات تحب وطنها لكن تحب نفسها أكثر من الوطن، فإذاً ما قيمة هذه المحبة وهذا التفوق، ليس المهم أننا نحب الوطن المهم هو كيف نحب وطننا وهذا يتم بالعمل والتضحية والدفاع والعلم والإنجاز».

ولفت الرئيس الأسد إلى أن هناك سؤالاً مهماً جداً، ماذا نحب بالوطن؟، معتبراً أن الشعوب تحب بعضها من خلال الأشياء المشتركة والمفاهيم المشتركة والعادات والتقاليد والعقائد، وكل ما يؤمن به الشعب، فهذه هي المحبة، وعندما نحب الوطن ننتمي لهذه الأشياء والمفاهيم فلا يمكن أن ننتمي للوطن وأن نكون ضد هذه الأشياء أو منفصلين عنها ونتحدث عن انتماء، وأضاف: «عندما نقول ننتمي لكل هذه الأشياء لا يعني أنه لا يوجد أشياء سلبية يجب التخلص منها لكن لا يمكن التخلص من شيء أو أن نطوره أو نعالجه إن لم ننتمِ إليه بالأساس، إذاً لا بد من أن ننتمي لكي نتمكن من الإصلاح ومحبة الوطن، ولكي ننتمي للمفاهيم والتقاليد والعادات يجب أن نعرف التاريخ ونفهمه ونقرأه، لأن الحاضر هو ابن الماضي فلا نستطيع أن نطور الحاضر من الحاضر، يجب أن نفهم الحاضر انطلاقاً من فهم الماضي، وعندما نفهم كليهما عندها نستطيع أن نعالج مشاكلنا، وأن نتلافى المشاكل ونمنع الوطن من الوقوع في أزمات مستقبلية بغض النظر عن نوع هذه الأزمات».

وتساءل الرئيس الأسد كيف نحب كل هذه المفاهيم ونعمل من أجل الوطن ونضحي لكن لا نحب شيئاً أساسياً وهو اللغة، مبيناً أن اللغة هي حامل الثقافة والهوية فإذا كان لدينا الكثير من الثقافة والعادات والتقاليد والفكر والمفاهيم ولكن لا يوجد شيء يحملها فقيمتها صفر، يعني الهوية غير موجودة.

ولفت الرئيس الأسد إلى أن هناك مفهوماً خاطئاً بأن لغة العلم والإنتاج في العالم هي اللغة الإنكليزية، مؤكداً أن هذا الكلام غير صحيح، فكل الدول المتقدمة والتي تحترم نفسها تنتج بلغتها فالإنتاج العلمي باللغة الوطنية ولكن لغة التواصل بين العالم هي اللغة الأجنبية، وأضاف: «أنا أؤكد على أن تعلم اللغة الأجنبية هو ضروري بالمقدار نفسه وللسبب نفسه لأننا لا نستطيع فهم الثقافات الأخرى إلا بلغتها، فالفلسفة الأساسية التي أتى من خلالها العلم والسياق الاجتماعي والتاريخي لا نفهمه إن لم نفهم اللغات». مبيناً أن الدول المتقدمة تهتم بلغتها لأن اللغة هي التي تعبر عن الهوية باعتبارها هي الحامل للثقافة من جانب، ومن جانب آخر لأن اللغة هي أهم عامل من عوامل جمع الشعوب فعندما تبدأ اللغات بالتراجع يبدأ المجتمع بالتفكك».

الرئيس الأسد لفت إلى فكرة الانضباط، معتبراً أنه يبدأ بالفكر وهو ما نسميه المنهجية وتنظيم التفكير واحترام الوقت والزمن، لأن الزمن ثمين، لكن في الدول المتخلفة والنامية لا يعرفون قيمة الزمن، وقال: «التقيد بالقوانين والأنظمة وتقديس هذه الأشياء لا يعني أنها لا تبدل لكن طالما أنها موجودة يجب أن نتقيد بها، ومهما امتلكنا من أدوات التطور والتطوير لا يمكن أن نحقق شيئاً من خلال الفوضى، والفارق بين التطور والتقدم هو هذه النقطة بالدرجة الأولى».

وأشار سيادته إلى أن الاحترام لا يعكس الشخص الذي نحترمه، هو يعكس تربيتنا وأنفسنا فعندما نحترم الآخرين فنحن نحترم أنفسنا وعندما نحترم أنفسنا سيحترمنا الآخرون وعندما يحترموننا سيدعموننا وبالعمل الوطني كلنا بحاجة لدعم الآخرين لكي ننجح، وأضاف: «كل هذه النقاط مهمة جداً لتشكيل مفهوم الانتماء وهذه النقاط الشخصية، هي التي تعطي الجانب العلمي القدرة لكي يتحول لجانب تطبيقي وعدا عن ذلك فإذا كنتم متميزين بجوانب ضيقة ومتفوقين فلا يمكن أن تقدموا سوى العلم النظري، الذي لا يمكن أن يكون جزءاً من عملية تطوير الوطن».

الرئيس الأسد أكد أن جميع هذه النقاط هي التي تجعلنا متميزين علمياً وعملياً، وقادرين على طرح الحلول الاجتماعية التي تواجهنا سواء كانت عامة أو قضايا تتعلق بالمؤسسات التي سيعمل بها خريجو المركز مهنياً مستقبلاً، وقال: «دوركم عندما تمتلكون هذه الرؤية وعندما تنضج أن تقوموا بدور اجتماعي إذ لا يكفي أن نكون متفوقين فإن لم نكن قادرين أن نكون مؤثرين بالمجتمع في كل يوم، فلا قيمة لكل هذه العلوم لأن بمقدار ما المجتمعات تبنى على التقدم العلمي بمقدار ما العلم والتقدم العلمي يبنى على مجتمعات متقدمة فالعملية تبادلية».

ووجّه الرئيس الأسد كلمته للطلبة بالقول: «عودتكم اليوم لهذا المركز هي رسالة لكل من عمل على تدمير هذا المركز أو مراكز أخرى بنيت في سورية، وأنا لا أقصد الإرهابيين تحديداً لأن الإرهابي جاهل، فبالنسبة له وجود مركز علمي أو عدم وجود مركز علمي ووجود علم أو جهل كلاهما سيان، ولكن أنا أتحدث عمن دفع بهؤلاء الإرهابيين للقيام بهذه العمليات التخريبية، ومن دفع لهؤلاء لكي يدمروا في سورية وقادهم كما يقاد القطعان باتجاهات مختلفة لتدمير هذا الوطن فهذه الجهات هي من تعرف قيمة العلم وأضاف: «الولايات المتحدة مثلاً، كان أول هدف لها بعد دخول العراق هو قتل العلماء في العراق وطلبوا من سورية في ذلك الوقت ألا تسمح لهم بالقدوم لها كلاجئين «تخيلوا هذا الطلب الوقح، وفرنسا عام 1830 عندما احتلت الجزائر أول ما فعلته قتل أساتذة اللغة العربية رغم أن عدد المتعلمين في ذلك الوقت كان أساساً محدوداً وأغلب الناس كانوا أميين وهذا يؤكد أن هذه الجهات تعرف تماماً ماذا يعني العلم والثقافة واللغة وعودتكم اليوم هي رسالة البناء في مواجهة التهديم والتدمير، وهي رسالة العلم في مواجهة الجهل، ورسالة إذا كانت المدارس والمراكز العلمية ومراكز التنوير هي الهدف الأول بالنسبة لهم، فهي بالنسبة لنا الهدف الأول في الإعمار كحلقة أساسية من حلقات إعادة بناء الإنسان التي نتحدث عنها بشكل مستمر في ظروف الحرب، وهذه العملية عملية إعادة بناء الإنسان التي لا تبدأ في المدرسة إنما تبدأ في المنزل لكنها تتطور في المدرسة وتنضج في الجامعة والدراسات العليا، وتختمر لاحقاً في المجتمع، لكن المدارس تبقى دائماً هي الحلقة الأهم لأنه في المدارس تبنى الشخصية العلمية والشخصية الاجتماعية والشخصية الوطنية، فعودتكم اليوم هي رسالة شؤم بالنسبة لكل من وقف خلف الإرهابيين ودعم التدمير وتآمر على سورية، أما بالنسبة لأبناء الوطن بمختلف أطيافهم الوطنية فهي رسالة فرح ورسالة فخر ورسالة أمل بعودتكم وبقدراتكم وأمل بإمكاناتكم وتفوقكم وقدرتكم في المستقبل على طرح الحلول، وأمل بإنجازاتكم».

وختم الرئيس الأسد حديثه بالقول: أتمنى لكم أيها الأحبة كل النجاح بمسيرتكم العلمية حاضراً وفي الجامعة مستقبلاً وفي حياتكم المهنية لاحقاً وأتمنى للكادر التدريسي والإشرافي وللقائمين على هذا المركز في هيئة التميز والإبداع ولدى شركائهم في وزارتي التعليم العالي والتربية كل التوفيق في مهامهم النبيلة ونبارك لكم جميعاً وأشكركم على جهودكم وعلى إخلاصكم لهذا المركز وللعلم وللقيم العلمية وللقيم الوطنية».

وكان المركز الوطني للمتميزين انطلق عام 2009 في حمص كمنارة علمية وطنية، وكان هدفاً للإرهاب عام 2012، فغادرت كوادره وطلابه ليتنقلوا بين عدة محافظات في مراكز مؤقتة حاملين معهم تطلعاتهم وإرادتهم التي لم تنكسر ليعود المركز اليوم بألق جديد وتطلعات أكبر في المناهج والاختصاصات وأدوات التعليم والكوادر.

وقبل 13 عاماً كان الرئيس الأسد حاضراً في انطلاقة هذا المركز، واليوم في أول أيام العام الدراسي الجديد بعد إعادة افتتاحه في حمص شارك الرئيس الأسد كوادر المركز وطلابه رسالة الفرح والفخر بالعودة والأمل بالقدرات والإمكانات والإنجازات، رسالة البناء في مواجهة التدمير، العلم في مواجهة الجهل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن