قضايا وآراء

واشنطن تعلن انتهاء «عهد ما بعد الحرب الباردة»

| دينا دخل الله

يبدو أن التغييرات التي طرأت على الساحة السياسية العالمية مؤخراً كظهور قوى إقليمية قوية مثل الصين وروسيا والهند، أجبرت الديمقراطيين على الاعتراف بأن سياسة «إما معنا وإما ضدنا» قد انتهت وأن نظاماً عالمياً جديداً على وشك الولادة، فقد أعلنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في إستراتيجيتها الجديدة للأمن القومي التي صدرت قبل أيام بموافقة الكونغرس عن نيتها مواصلة التنافس الشرس مع الصين وروسيا في قضايا معينة، والتعاون معهما في قضايا عالمية ذات اهتمام مشترك كتغير المناخ والأوبئة.

تُعد إستراتيجية الأمن القومي مرجعاً مهماً للإدارة الأميركية في رسم السياسات المختلفة، كما تلخص هذه الوثيقة فكر بايدن حول أوضاع العالم وكيف ستواجه إدارته التحديات الجديدة، وكان من المفترض أن يتم الإعلان عن هذه الوثيقة في وقت أبكر إلا أن حرب أوكرانيا حالت دون ذلك، ويرى بايدن أن هذا العقد عقد حاسم لتعزيز المصالح الحيوية لأميركا، حيث ستعمل الإدارة الأميركية على تحقيق ذلك بثلاثة طرق:

أولاً: الاستثمار في الداخل لتقوية الاقتصاد الوطني والمجتمع.

ثانيا: تقوية وتنمية التحالفات الخارجية.

ثالثا: تحديث وتقوية الجيش.

وهذا سيساعد الولايات المتحدة في التغلب على أكثر المشكلات إلحاحاً، حسب الوثيقة، وهي التعامل مع روسيا والصين.

تخطط الإدارة الأميركية للعمل مع الصين وروسيا وحلفاء آخرين للحد من الأوبئة وإبطاء تغير المناخ وتعزيز الأمن الغذائي والطاقة، والتنافس معهما في مجالات أخرى، وبهذه الطريقة تأمل الإدارة أن تبتعد عن أنموذج الحرب الباردة المتمثل بشعار «إما معنا وإما ضدنا».

فقد أعلنت واشنطن أن بكين هي المنافس الوحيد الذي لديه القدرة على إعادة تشكيل النظام الدولي بسبب إمكانياتها الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية، وتقول الوثيقــة: «على الولايات المتحدة أن تعمل على احتواء الصين بالحفاظ على السلام مع تايوان والعمل معها في المجالات التي تهم البلدين».

أما بالنسبة لروسيا التي تصفها الوثيقة بأنها لا تزال مصرة على المضي قدماً في السياسة الخارجية الامبريالية، فعلى الرغم من أن واشنطن ستعاقب روسيا على احتلال أوكرانيا إلا أنها منفتحة للتعاون مع موسكو في المجالات ذات المصلحة المشتركة.

تعكس اللغة المستخدمة في الوثيقة الجديدة صدى إستراتيجية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب للأمن القومي التي أكدت عودة التنافس بين الدول العظمى وإستراتيجية الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما التي أكدت ضرورة تنشيط الديمقراطية في الداخل والتعاون مع الحلفاء حول القضايا العالمية.

إلى جانب التركيز على العلاقة مع روسيا والصين حددت الإدارة الأميركية عناصر أخرى تعتبر تحدياً للولايات المتحدة والعالم وهي: المناخ والأوبئة وانعدام الأمن الغذائي والطاقة والدفاع البيولوجي والحد من التسلح والإرهاب.

في النهاية تختم الوثيقة بالقول: «إن على الإدارة الأميركية أن تعمل في خطين متزامنين: الأول العمل مع كل دول العالم والمراكز لحل المشكلات القائمة، والثاني العمل على تقوية علاقات أميركا مع الشركاء ذوي التفكير المماثل».

لعل أفضل مثال على انتهاء عهد ما بعد الحرب الباردة هو تمرد بعض الدول الإقليمية التي تدور في فلك التحالف الأميركي عندما يكون هناك خطر على مصالحها الوطنية، مثال المملكة العربية السعودية التي رفضت مؤخراً طلب واشنطن زيادة إنتاج النفط لأن هذا يضر باقتصادها الوطني، وكذلك تركيا العضو في حلف الناتو التي اختارت أن تُبقي على علاقات جيدة مع موسكو رغم اعتراض واشنطن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن