من دفتر الوطن

القمار السياسي

| حسن م. يوسف

في كتابه الشهير «مجمع الأمثال» يقول الميداني الذي ولد ونشأ في نيسابور وتوفي فيها عام 1124م. أي قبل نحو تسعة قرون: «الشَّبْعَانُ يَفُتُّ لِلْجاَئِعِ فَتًّا بَطِيئاً». ويعلق على هذا المثل بقوله إنه: «يُضْرَب لمن لا يهتم بشأنك ولا يأخذه ما أخَذَكَ».

والحقيقة أن هذا المثل تمترس في عقلي منذ مدة ولا يكف عن إعلان نفسه وإعلاء صوته كلما فكرت بحالنا نحن السوريين. فالحرب التي أشعلها الغرباء وقوى الشر فوق أرضنا سرقت شبابنا وثرواتنا، وهي الآن، بالتحالف مع تجارنا، تسرق اللقمة من أفواه أطفالنا وتأكل لحمنا الحي، في حين تكتفي دول العالم وشعوبه بالتفرج علينا ونحن نتقلب في المقلاة. والموجع أكثر هو أنه حتى الأصدقاء «يَفُتُّون لنا فَتاً بَطِيئاً»، ففي مؤتمر فالداي للحوار، الذي عقد مؤخراً قرب موسكو، مرَّ ذِكر سورية سريعاً وبعيداً وعلى نحو يشبه الغياب. ليس هذا وحسب، بل تم وصف زعيم دولة سرقت معاملنا وما تزال تحتل أرضنا بأنه «رجل موثوق به»!

لهذا أود أن أصارح إخوتي السوريين بأن آلامنا سوف تستمر إلى أن نرغم خصومنا على الشعور بها. عندما أنشأ الأميركان نواة قاعدة لهم في بيروت في مطلع ثمانينات القرن الماضي لم يفهم الأميركان آلام الشعب اللبناني، ولم يحترموا سيادته إلا عقب عملية 23 تشرين الأول التي أودت بحياة 241 أميركياً.

كما أود أن أذكر إخوتي السوريين بأبيات الإمام الشافعي التي ذهبت مثلاً:

ما حك جلدك مثل ظفرك / فتولَّ أنت جميع أمـرك

وإذا قصـدت لـحاجــــة / فاقصــد لمعترفٍ بقـدرك

يعلم صغير السوريين قبل كبيرهم أنه ثمة أشخاص وجهات، في الداخل والخارج، لهم مصلحة كبيرة في استمرار تأزم الأوضاع في سورية ومفاقمتها، والحق أن بعض السياسيين السوريين في الخارج والداخل ما يزالون يفكرون بعقلية المقامر الذي بلغ تعلقه باللعبة حد الهوس مما يطلق عليه علماء النفس «القمار القهري». فالواحد من هؤلاء لا يرى ما لديه، بل هو على استعداد للمخاطرة بشيء ذي قيمة كبرى على أمل أن يكسب شيئاً آخر ذا قيمة أقل.

يجمع علماء النفس على أن إدمان المقامرة حالة مَرضية خطيرة يمكن أن تدمر الحياة. فإدمان القمار لا يختلف كثيراً عن إدمان المخدرات والمشروبات الكحولية التي تحفز جهاز المكافأة في الدماغ. فالمدمن على المقامرة يشعر بأنه مجبر على الاستمرار في اللعب لاستعادة أمواله، وعندما يعجز عن ذلك قد يلجأ للسرقة أو الاحتيال للحصول على المال لإنفاقه على المقامرة.

أستطيع القول: إن المقامرة السياسية، لا تختلف عن المقامرة بالمال، فهي قد تؤتي ثمارها أحياناً، وقد تعود على المقامر بربح كبير، لكن المقامر غالباً ما يضيع أرباحه من خلال الاستمرار في المقامرة، بحيث تكون المحصلة النهائية دائماً لمصلحة (صاحب الكازينو) منظم لعبة القمار، الذي غالباً ما يكون هو العم سام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن