ثقافة وفن

حال السينما السورية بعيون صناعها وأسئلة متكررة حول الإنتاج السينمائي في البلاد … المهند كلثوم لـ«الوطن»: الحلول تتمثل بإعفاء الشركات والفعاليات الاقتصادية الكبرى من جزء من الضرائب

| هلا شكنتنا

تعتبر السينما من أكثر الوسائل الترفيهية والثقافية التي كان يقصدها الناس خلال القرون الماضية، حيث تعمل السينما بشكل عام على تقديم أفلام تجذب المتابع وتجعله قادراً على تلقي رسائل هادفة سواء كانت «إنسانية، اجتماعية، سياسية»، وبالتأكيد هذا الأمر يعتمد على قدرة صناعها على إيصال الفكرة المطلوبة بسلاسة ووضوح.

السينما السورية بتاريخها الكبير
تعرضت لضغوط عدة

وإذا أردنا الخوض بالحديث عن السينما السورية نرى بأنها وبتاريخها الطويل والبعد الزمني لبدايتها والسينمائيين الرواد الأوائل الذين عملوا وواجهوا الصعاب في البداية من أجل إيجاد صناعة سينمائية في سورية تواجه اليوم قلة في إنتاج الأفلام السينمائية بسبب توجه العديد من المنتجين وشركات الإنتاج السينمائي السورية إلى إنتاج المسلسلات التلفزيونية بسبب النجاح الكبير التي حققته الدراما السورية على مستوى العالم العربي، مع ذلك فإن السينما السورية اليوم وبعد مرور عشر سنوات على الحرب السورية التي كان لها تأثير كبير على الحالة الفنية والاقتصادية للبلاد، إلا أنها مازالت تقدم أفلاماً راقية وبالرغم من قلتها، ومازال في استطاعة أفلام المؤسسة العامة للسينما أن تحصد الجوائز الأولى في المهرجانات السينمائية، وهذا النجاح بالتأكيد لا يأتي إلا بسبب وجود أشخاص مؤمنين بأن السينما لها رسالتها الخاصة والهادفة التي يجب أن تكون موجودة بأحسن صورة.

قلة صالات العرض وشركات الإنتاج السينمائية كان لها تأثير سلبي

لكن إذا أردنا الحديث بشكل خاص عن السينما السورية نرى بأنها تعاني اليوم من مشكلات عدة منها عدم وجود صالات عرض كافية تلبي حاجة صناع السينما وطموحاتهم، بالإضافة إلى عدم وجود شركات إنتاج خاصة قادرة على صناعة أفلام سينمائية، كما أن العامل الأساسي الذي باتت تعاني منه السينما السورية بشكل خاص والسينما العربية بشكل عام هو التمويل الضعيف الذي بات غير قادر على مجاراة التطور الهائل الذي تحتاجه صناعة السينما سواء أكانت هذه التطورات هي تقنية أم فنية.

تساؤلات متكررة
وما الحل بنظرة صناع السينما؟

وبالتأكيد هذه الأسباب التي ذكرت سابقاً قد تم الحديث عنها بشكل متكرر، لكن هل من المعقول أن يبقى حال السينما على هذا الشكل ويبقى الإنتاج قليلاً ما يؤثر على سمعة السينما السورية العريقة التي عرفها الجمهور؟ ومن هنا تراود لذهننا عدة تساؤلات أهمها «ما الصعوبات الحقيقية التي تواجه السينما السورية، وما الحل الفوري لمعالجة الأمر؟وهل السينما العربية بشكل عام باتت تختفي بشكل تدريجي؟».

السينما السورية عبارة عن مبادرات فردية

ولكي يتم التأكيد من جهة مهنية ونكون قادرين على تسليط الضوء على حال السينما السورية حالياً بكل شفافية، تواصلت «الوطن» مع المخرج «المهند كلثوم» الذي تحدث في البداية عن السينما السورية قائلاً: «ظلت السينما السورية عبارة عن مبادرات فردية لمخرجين كبار أثروا مسيرتها وفي الحقيقة اليوم لا تزال تنتهج هذا النهج لكن في أطر ضيقة بعد الحصار الثقافي على سورية في المحافل السينمائية الدولية إلا ما ندر منها في قرطاج والقاهرة والإسكندرية، ما يطفو اليوم منها هي أفلام الحرب التي لها ما لها وعليها ما عليها، فهناك أفلام تعبوية دعائية وهناك أفلام ذات طابع تأملي وإنساني ولديها قلق إبداعي نحو تجسيد واقع الحرب ومعاناة الإنسان منها، بهذا المعنى أرى أنه لا وجود لسينما سورية بل أفلام سورية وكل منها يحمل رؤى وأفكاراً وتوجهات وقناعات مخرجيها».

لا يمكن عد المعوقات التي تقف في وجه السينما السورية

أما عن المعوقات التي تواجه السينما السورية بشكل خاص، تحدث كلثوم قائلاً: «المعوقات التي تقف في وجه السينما السورية هي أكثر من أن نحصيها فهناك المال الخاص الذي لا يقدم على الإنتاج ويميل إلى التلفزيون ونجومه، وهناك الصالات المهترئة التي ما زالت تحتل مساحات شاسعة من العاصمة والمدن السورية دون أن يكون لها دور وهناك مصيبة التوزيع والتسويق للأفلام وهذه أيضاً تمت إماتة فعاليتها بعد قرار حصر استيراد الأفلام بالمؤسسة العامة للسينما ومع أن القرار تم التراجع عنه إلا أنه جاء متأخراً ولم يكن ليحيي جثة السينما الهامدة بعد هجرة المنتجين والموزعين وتضرر قطاع الإنتاج السينمائي الخاص أيما ضرر».

تأمين الإنتاج السينمائي
من أوائل الصعوبات

وفي الحديث عن الصعوبات التي يواجهها المخرج السوري أكد المخرج السوري كلامه قائلاً: «الصعوبات التي تواجه المخرج أو أي صاحب مشروع سينمائي هي بالدرجة الأولى تأمين الإنتاج وهذا غير متحقق لدينا بسبب الأموال التي تتوجه إلى الاستثمار في المطاعم والعقارات وسواها، لا يوجد اليوم منتج قادر على أخذ مبادرة في السينما السورية التي أعتبرها من أهم القطاعات الفنية التي لو تم استثمارها بالشكل الأمثل لكان للفيلم السوري حضوره القوي في المحافل الدولية والعربية لكن للأسف هذا غير متحقق لدينا، والعبء كله على كاهل المؤسسة أي على عاتق الدولة التي أبقت وخصصت بنداً مالياً للإنتاج السينمائي لكنها لم تنجح في تطوير علاقتها بأصحاب دور العرض وبالفعاليات الاقتصادية والسياحية التي كان من الممكن أن تلعب دوراً في هذه العملية».

الحلول تتمثل بهذه النقاط

وأنهى المخرج «مهند كلثوم» حديثه من خلال طرحه للحلول التي من الممكن أن تساعد على تطور السينما السورية، قائلاً: «الحلول تتمثل في قيام الدولة بإعفاء الشركات والفعاليات الاقتصادية الكبرى الموجودة في سورية من جزء من الضرائب مقابل دعم هذه الفعاليات أو تمويل أفلام سينمائية أو أي نشاط ثقافي أو فني، وهذا يحتاج إلى مرسوم وقانون ينظم تمويل الفعاليات وإنتاجها لأفلام سينمائية، ولاسيما ما يتعلق بعمل البنوك الخاصة والحكومية التي من الممكن أن تساهم في قطاع الإنتاج السينمائي، إذا كان ذلك مقابل اقتطاع حصة من الضرائب المفروضة عليها، هذا بتوقعي سهل ويشجع قطاعات اقتصادية كبرى على الإقدام على تمويل الأعمال السينمائية وحتى المسرحية والموسيقية وكل ما يتعلق بالفن والثقافة في سورية».

الحال السينمائي السوري بعيون صناعه

كما تواصلت «الوطن» مع الكاتب والمخرج «أيهم عرسان» الذي تحدث بالبداية عن حال السينما السورية بشكل عام قائلاً: «قدمت السينما السورية خلال سنوات طويلة عدداً من الأفلام المهمة بعضها أصبح أيقونة في تاريخ السينما العربية ويصنف من بين أهم الأفلام في السينما على مستوى الوطن العربي، هذه الأفلام التي سلف ذكرها كانت كلها من إنتاج القطاع العام السينمائي في سورية الذي تصدى لمهمة الإنتاج السينمائي منذ الستينيات فيما بقى القطاع الخاص يقدم أعمالاً يمكن اعتبارها ضعيفة المستوى سينمائياً إلا فيما ندر، ولاحقاً توقف الإنتاج السينمائي الخاص بشكل شبه تام، هذا التوقف أثر إلى حد كبير على مسيرة السينما السورية إن نظرنا إليها بصورة عامة، فالقطاع العام معني بأن يقدم أعمالاً يكون فيها المحتوى الثقافي والفكري والفني محط اهتمام أكبر من جانب الريعية التجارية – وإن كانت مسألة ربحية الفيلم مهمة وحيوية لاستمرار الصناعة – أما القطاع الخاص فهو مبدئياً ونظرياً يهتم بأن يقدم فيلماً يجذب محتواه الجمهور وبالتالي يحقق نجاحاً على شباك التذاكر يسمح باستمرار الإنتاج وازدياده، لكن ضعف ثقافة المنتج السينمائي الخاص في سورية جعل التوجه يكون نحو تقديم الأفلام الخفيفة السطحية التي نفر الجمهور منها بعد مرور بعض الزمن ما أدى إلى توقف الإنتاج وتراجع حالة العرض السينمائي بشكل عام نتيجة تردي مستوى صالات العرض الأمر الذي أوصل أغلب الصالات إلى أن تكون متوقفة عن العمل اليوم، اليوم تعيش السينما السورية وتوجد فقط من خلال القطاع العام مع وجود بعض المحاولات الخجولة من القطاع الخاص والتي تكون أشبه بمحاولات فردية غير مدروسة تجعل المبادر في دخول هذا المجال يتراجع بعد تجربة واحدة إلى الإنتاج التلفزيوني كلياً».

السينما صناعة مكلفة جداً.. أين التمويل؟

كما تطرق المخرج أيهم في حديثه عن الصعوبات التي تواجه تطور السينما السورية، قائلاً:»هناك العديد من الصعوبات التي تواجه تطور السينما السورية أهمها مسألة التمويل فالسينما هي صناعة مكلفة جداً تتطلب مبالغ كبيرة من أجل تقديم منتج يحمل عناصر الإبهار والمنافسة مع الأفلام التي تقدم حول العالم، فالسينما بشكل عام فن قام منذ نشأته وحتى اليوم على ضرورة إبهار المشاهد, واستلابه وجعله يتماهى مع المادة التي تعرض عليه.

وهذا الأمر وفي ظل وجود الكم الهائل من الإنتاجات عربياً وعالمياً يجعل ضرورة المنافسة مسألة حيوية والمنافسة تتطلب وجود إمكانيات إنتاجية كبيرة تتيح توافر استخدام أكثر الوسائل التقنية والفنية تطوراً في العالم لإنتاج أعمال قادرة على استقطاب الجمهور المتطلب، بالإضافة إلى مسألة التمويل هناك موضوع نوعية الموضوعات التي تطرح على الجمهور والأساليب السردية والفنية التي يتطلبها ويريد أن يشاهدها على الشاشة وهنا نجد أن التجديد في الطروحات والأساليب الفنية حيوي بالإضافة إلى ضرورة رفد الصناعة السينمائية بصناع جدد فالتجدد والتنوع هو إحدى سمات السينما كصناعة وربما كانت أهم أسرار بقائها واستمرار بريقها في العالم».

هاجس البحث عن الفرادة في الطرح الموضوعي هي أبرز الصعوبات

ولم يخل النقاش مع المخرج أيهم عرسان عن التحديات التي تواجه المخرج السوري، حيث أكد بحديثه أن هنالك الكثير من التحديات حيث أوضح ذلك، قائلاً:«هناك الكثير من التحديات التي تواجه المخرج السينمائي، أبرزها هو هاجس البحث عن الفرادة في الطرح الموضوعي وفي الشكل الفني، مع الكم الهائل من الإنتاجات السينمائية حول العالم ومع سهولة الوصول إليها والتفاعل معها أصبحت مهمة المخرج السينمائي في تقديم فيلم سينمائي يمثله ويطرح قضية يريد التعبير عنها وفي الوقت ذاته يكون هذا الفيلم قادراً على إرضاء ذائقة المشاهد الفنية من حيث تكامل عناصر الشكل الفني للفيلم أصبحت هذه المهمة شاقة جداً، لكنها تحمل في طياتها نوعاً من التحدي الممتع، فالسينما دائماً تحمل في جوانبها شيئاً من المغامرة والمراهنة على النجاح، حال السينما العربية يختلف من بلد إلى آخر ولكن إذا حاولنا النظر إليها بصورة عامة نجد أن التحديات التي يواجهها السينمائي العربي تكاد تكون مشتركة وهي مسألة البحث عن الفرادة وصعوبة إيجاد التمويل الكافي للعمل السينمائي وعدم وجود قطاع خاص بالشكل الناضج إلا في مصر ما يجعل التحديات متشابهة ويجعل حال السينما العربية متشابهاً».

ضرورة التجدد في الطروحات والأفكار
من أهم الحلول السينمائية

كما اقترح المخرج عرسان عدة حلول تساعد في نهوض السينما السورية، حينها أكد قائلاً:«الحلول هي في عودة القطاع الخاص ضمن آليات تفكير وعمل مختلفة تستطيع أن تواكب العصر وتحترم عقل وذوق المشاهد، لا يمكن أن ترتكز السينما السورية على إنتاجات القطاع العام فقط، بل إن تنوع الأفكار والطروحات والاهتمامات بين القطاعين العام والخاص هو الذي يمكن أن يشكل حالة من النهوض للسينما، وأسوق هنا مثالاً يتعلق بصناعة الدراما التلفزيونية في سورية فلولا وجود قطاعين يعملان في إطارين متوازيين منذ عقود لما كانت الدراما التلفزيونية موجودة وحاضرة ليس على المستوى السوري فقط بل العربي أيضاً، أيضاً هناك مسألة مهمة وهي ضرورة التجدد في الطروحات والأفكار ومواكبة المجتمع وهواجسه، معيار النجاح للعمل الفني هو قدرته على التعبير عن المجتمع والبشر بطريقة موضوعية وفنية وراقية».

هل السينما العربية من الممكن أن تختفي؟

أما عن رأيه بحال السينما العربية وهل من الممكن أن تختفي تدريجياً أم إنها ستبقى حالة فنية متجددة؟ أوضح عرسان قائلاً: «السينما العربية موجودة ولا يمكن أن تختفي، لكنها تعاني صعوبات عديدة، ما يجعل الأعمال النوعية المهمة قليلة، وربما يكون تطور وسائل العرض والمنصات وما تقدمه التكنولوجيا الرقمية مفتاحاً لتطورات تتيح للسينما العربية مع تضافر عوامل إنتاجية وفكرية إمكانية النجاح والتطور».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن