قضايا وآراء

أوروبا ومصلحتها في وقف الحرب على روسيا

| تحسين الحلبي

أصبح السؤال الذي يجب على الغرب الإجابة عنه الآن وبعد مرور ثمانية أشهر على الحرب التي شنها على روسيا في أوكرانيا هو: هل ما زالت واشنطن وحلف الأطلسي يعتقدان أنهما قادران على إضعاف روسيا أو هزيمتها كما أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستين؟

يرى عدد من الخبراء العسكريين والسياسيين في مراكز الأبحاث الأوروبية والأميركية أن الاستمرار في هذه الحرب وصل إلى «نقطة السير على خط رفيع» وكان «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» قد نشر بحثاً في 17 تشرين الأول الماضي بقلم المحلل العسكري والمستشار في برنامج الأمن العالمي «آي إس بي» مارك كانسيان جاء فيه إن: «الصواريخ الروسية لا تزال تدك مدن أوكرانيا منذ أشهر ولا تزال أوكرانيا تناشد الغرب لإرسال المزيد من منظومات الدفاع الجوي لصد الصواريخ والمسيرات الانتحارية الإيرانية»، ويذكر أن روسيا حصلت على مسيرات من إيران قبل العملية العسكرية على أوكرانيا، ويضيف كانسيان: إن «منظومات الدفاع الجوي التي زودتها واشنطن ودول أوروبية لأوكرانيا لم توقف فعالية هذه الصواريخ والمسيرات ولم يعد للنيات الطيبة الأميركية ما تفعله على الواقع الميداني للمعركة في أوكرانيا ولم تنجح منظومة صواريخ «ستينغير» ولا منظومة «ناماس» التي حصلت عليها كييف من واشنطن، بصد الصواريخ والمسرات، واعترفت بعض تقارير وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» بهذه المشكلة لكنها لم تعلن عن أي منظومات أخرى».

وزير الدفاع الأميركي لويد اوستين أشار سابقاً أيضاً إلى ضرورة أن تصبح أوروبا مزوداً رئيساً للسلاح لأوكرانيا، وهذا ما جعل أوروبا تشعر بأنها تسير على خط رفيع جداً في موضوع الحرب ضد روسيا، وفي 10 تشرين الأول الماضي حث مركز «مجموعة الأزمة الدولية» دول الاتحاد الأوروبي على دعم أوكرانيا، واعتبر أن ذلك «يتطلب منها المحافظة على التوازن والانتباه إلى ضرورة أن تتجنب أوروبا الصدام المباشر مع موسكو»، وبينت «مجموعة الأزمة الدولية» أن ما أحرزته كييف في بداية الشهر الماضي من اختراقات للدفاعات الروسية على الأرض الأوكرانية لا يجب أن يدعو أوروبا إلى تصعيد سياستها ضد موسكو أو أن يدفعها إلى الاعتقاد أن أوكرانيا ستهزم روسيا، فالقيادة الروسية لن تسمح بذلك ولديها مصادر قوة متعددة لمنع استمرار الاختراقات على الأرض».

لاحظ الجميع أن واشنطن وكييف كانتا قد فضلتا الإعلان عن عدم استعدادهما لأي مفاوضات قبل أسابيع قليلة، ورأى البعض في أوروبا أن هذا الموقف قد يزيد من توريط أوروبا بهذه الحرب وينقلها إلى حافة صدام مباشر تدفع ثمنه الباهظ الشعوب الأوروبية وليس الولايات المتحدة، ويبدو أن الاستراتيجية الأميركية العالمية تسعى إلى إشغال أوروبا والأطلسي بروسيا مهما تصاعدت أشكال المجابهة لكي تعد سياسة هجومية ضد الصين في موضوع تايوان بمشاركة دول آسيوية لم تضمن موافقة العديد منها حتى الآن، فالدول الأوروبية ليس لديها ما تهتم بمشاركته مع واشنطن ضد الصين بالمقارنة مع اهتمامها المنحصر الآن بمستقبل أوروبا في أثناء هذه الحرب الأميركية الأطلسية على روسيا في أوكرانيا، وخاصة أن أزمة أميركا مع الصين في تايوان لا تزال باردة وقابلة للحلول، ومع ذلك لا شك أن الكل يدرك أن الوضع العالمي الذي كان يسود قبل شباط عام 2022 لن يعود إلى حالته نفسها سواء مع استمرار الحرب على روسيا أو بانتهاء هذه الحرب عن طريق المفاوضات ما دامت ستفرض على كل من شارك في الحرب على موسكو دفع فاتورة مواقفه بخسارة يشير إليها الخط الرفيع الذي يفرض على أوروبا بشكل خاص تشجيع المفاوضات مع موسكو قبل أن تفقد ما بقي بيدها من أوراق قابلة للاستخدام في هذه الظروف وبعد عجز واشنطن وحلفائها عن إضعاف روسيا أو فرض الشروط عليها.

يتوقع بعض المحللين في أوروبا أن تبدأ بالظهور مؤشرات عن تراجع بعض الدول الأوروبية على التعويل على نجاح الولايات المتحدة بتحقيق أهدافها وأهداف أوروبا من هذه الحرب التي أصبح من الممكن إعادة النظر في استمرارها للالتفاف على استحقاقاتها المتفاقمة على أوروبا أكثر مما هي متفاقمة على الولايات المتحدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن