اقتصاد

إيجابي لمن؟

| فراس القاضي

لعل التحقيق الذي أجرته «الوطن» في هذا العدد عن الشركة العامة للأحذية وشركة وسيم للألبسة الجاهزة، وما ورد فيه من معلومات ولقاءات تفيد باغتراب هذه المؤسسات عن الناس الذين يفترض أنها أوجدت من أجلهم، وما جاء أيضاً على لسان مديريها، وخاصة الإصرار على أن هذه المؤسسات تؤدي عملها على أتم وجه، والدليل هو أنها ليست خاسرة رغم كل المعوقات والنقص والتخلف الذي تعاني منه، يأخذنا إلى عمق المشكلة الحاصلة فيما يدعى بمؤسسات التدخل الإيجابي، بل بمفهوم التدخل الإيجابي برمته، وكيف تحوّل إلى عكس المراد منه بكل ما يحمله مصطلح (عكس) من معنى.

تقييم هذه المؤسسات بأنها مؤسسات ناجحة، بدءاً من المؤسسات المذكورة وانتهاء بالسورية للتجارة وغيرها من المؤسسات، يوضح أن خللاً ما أصاب المفهوم، وأن الإيجابي في الموضوع ليس مقدار الفائدة التي سيلمسها المواطن من هذه المؤسسات التي يُذكر اسمها بمناسبة ومن غير مناسبة وبداعٍ وبغير داع وتُحمّل إنجازات لم تحققها، بل الإيجابي هو الأرباح، فإن كانت رابحة، فهي ناجحة، حتى لو كانت استفادة الناس منها بنسب متدنية جداً، وبهذه الحالة، يحق لنا طرح السؤال التالي: مؤسسات تدخل إيجابي لمن؟ أي من المستفيد من «إيجابيتها»؟ والجواب واضح: الحكومة وخزينة الدولة، هذا إن كانت فعلاً رابحة، لأن مفهوم الربح بهذا الشكل، وإن أردنا التعمق بالموضوع أكثر، فيه خلل أيضاً، وسنكتشف بقليل من التحليل أن هذه المؤسسات خاسرة بالمعنى التجاري والاقتصادي الحقيقي، لأن المؤسسة التي ينفق عليها مليارات الليرات، ويوظف فيها مئات أو آلاف العمال رواتبهم الشهرية بالمليارات، وتكون مرابحها بمئات الملايين أو مليار وملياري ليرة في العام، هي مؤسسة خاسرة بالتأكيد، لأن هذه المرابح التي يتغنى بها القائمون عليها، يجنيها سنوياً محل أو محلان في منطقة الشعلان مثلاً، وبعشرة عمال وعقار مستأجر، أي دون مئات العمال ومبانٍ ضخمة وميزانيات ومسابقات توظيف ومحروقات وآليات وآلات وأجهزة إلخ…

الأمر لا يتوقف عند ما ذكرناه، بل يتجاوزه إلى ما لا يقبله عقل أو منطق، فمن الأسباب التي طرحها في الملف أحد المديرين لتبرير عدم انتشار منتجات هذه الشركات، كان أنها لا تملك سوى صالتين، في حين القطاع الخاص لديه مئات المحلات!

تخيلوا أن المانع من تحقيق فائدة كبيرة للناس في مرحلة حساسة مثل المرحلة التي نعيشها الآن، وتحقيق مكاسب كبيرة للدولة وخزينتها، هو عدم توافر عقارات! ونحن هنا لا نتحدث عن محافظة صغيرة أو بلدة محدودة المساحة، بل عن عاصمة حصة أملاك الدولة والأوقاف فيها من الأراضي يفوق كل ما يملكه التجار والمتعهدين مجتمعين.

الأغرب من كل ما سبق، هو «تطنيش» كل الانتقادات، والحلول المقترحة، والنتائج السيئة، والابتعاد عن المواطن، والإصرار على البقاء بذات العقلية التي تحكم الإنتاج! ولو كانت هذه العقلية تهمّش رأي أو حاجة الناس لأنها رابحة وهذا ما يهمها، لوجدنا مبرراً، أما أن تصر على نمط لا يحقق مرابح جيدة، ولا يرضي الناس، فهذا يعني أحد أمرين: الأول هو عدم الرغبة بالتطوير والبقاء «على ما وجدنا عليه آباءنا» لأن التطوير يحتاج إلى عمل وجهد كبيرين، والثاني هو عدم الاكتراث أساساً لا بتلبية حاجات الناس ولا بالمرابح، والمهم أن يبقى كل شيء على ما هو عليه وكل شخص في مكانه.. وشخصياً، أرجح السبب الثالث.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن