قضايا وآراء

لقاء بايدن – شي تفاهمات إدارة الخصومة بين الأعداء الشركاء

| الدكتور قحطان السيوفي

أعلن البيت الأبيض، أن الرئيس الأميركي جو بايدن، ونظيره الصيني شي جين بينغ، سيلتقيان في 14 تشرين الثاني في بالي في إندونيسيا على هامش قمة مجموعة العشرين.

وهو أول لقاء لهما منذ انتخاب بايدن رئيساً، وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض إنهما سيبحثان طريقة إدارة الخصومة بين البلدين، وسيناقشان مواضيع «دولية وإقليمية»، من دون الإشارة صراحة إلى ملف تايوان الذي تتركز حوله أبرز التوترات الثنائية ويعتبر جزءاً من إستراتيجية واشنطن لمواجهة بكين في المحيط الهادئ.

بالمقابل فإن فوز شي بولاية ثالثة في مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الشهر الماضي، عزز مكانته كأقوى زعيم صيني منذ ماو تسي تونغ، ويثير ذلك مخاوف في تايوان وكذلك في واشنطن من أن تضاعف بكين جهودها من أجل إعادة ضمّ الجزيرة.

كان آخر تواصل بين الرئيسين في أواخر شهر آب الماضي، عبر مكالمة هاتفية حذر فيها الرئيس الصيني، واشنطن، مما سماه «اللعب بالنار»، عقب زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لتايوان.

اللقاء بين الرئيسين سيتم وسط توتر حاد بين الدولتين، ويرى المحللون أن وضع الصين كأبرز تحدٍ جيوسياسي في إستراتيجية الأمن القومي الأميركي يزيد من حدة المنافسة والمواجهة الآيديولوجية بين البلدين، وخصوصاً أن واشنطن تعلن أن هدفها احتواء وقمع تنمية الصين والحفاظ على الهيمنة الأميركية.

جاء إعلان إدارة بايدن في السابع من تشرين الأول الماضي محاولة لفرض ضوابط تصدير موسعة على أشباه الموصلات المتقدمة إلى الصين ليؤكد محاولة الولايات المتحدة إبطاء بروز الصين كقوة تكنولوجية عظمى تزايد التنافس حول الرقائق الإلكترونية، بين الجانبين الأميركي والصيني اللذين يعمل كلاهما لإحراز تفوق عالمي في هذا المجال.

بكين يمكنها بالفعل منع الصادرات من المواد الحيوية مثل المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة، أو إغراق العالم برقائق أساسية رخيصة.

رغم التوترات الحادة بين الولايات المتحدة والصين فإن اللافت للنظر هو مدى الاعتماد الاقتصادي المتبادل بينهما. في 2021 كانت الولايات المتحدة لا تزال تستورد بضائع من الصين أكثر من أي دولة أخرى، وصدرت إلى الصين مزيداً من البضائع أكثر.

ومن المتوقع أن يشهد النظام الدولي مزيداً من الاستقطاب على صعيد العلاقات الاقتصادية بين كل من الولايات المتحدة الأميركية والصين من جهة والدول النامية من جهة أخرى، فقد استضافت الصين في حزيران 2022 قمة مجموعة «بريكس»، وتقدمت بعض الدول بطلبات للانضمام إليها، ومنها إيران والأرجنتين، وربما الجزائر مستقبلاً في حين أعلن بايدن، في أيار 2022، عن اتفاقية اقتصادية جديدة في آسيا والمحيط الهادئ، تضم 13 دولة في المنطقة.

من جانب آخر، العلاقات بين الصين وروسيا: تشير إلى اتجاه المزيد من النمو، إذ تتشارك الدولتان في تصور مشترك بأن الغرب يحمل عداء إيديولوجياً تجاههما، وتأمل الصين أن تساعدها الشراكة مع روسيا في بناء نظام مالي قائم على اليوان الصيني.

بالمقابل لواشنطن وبكين دوافع أمنية وعسكرية فالوجود العسكري الأميركي في منطقة المحيط الهادي الآسيوي يقترن برغبة واشنطن في ترسيخ وجودها ودورها، لمواجهة النفوذ الصيني إقليمياً وعالمياً. ترغب الصين في أن تصبح القوة العسكرية الأولى في منطقة بحر الصين والمحيط الهادي الآسيوي.

بالنسبة للدوافع السياسية تحرص بكين على المحافظة على موقعها الإقليمي والعالمي، وإظهار الصرامة الدبلوماسية. ومع تزايد بوادر ظهور النظام العالمي متعدد الأقطاب، بدأت الصين التوسع في نفوذها لأنها مع روسيا، المنافسان الوحيدان لأميركا وتملكان القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لإعادة تشكيل النظام الدولي.

وختاماً، يمكن القول إن تصاعد التوترات الأميركية – الصينية بسبب مسألة تايوان لن يتسبب على الأرجح في تدهور سريع للعلاقات التجارية بين بكين وواشنطن؛ وستؤدي أجواء التوترات بينهما إلى زيادة حدة الاستقطاب الاقتصادي بين القوتين على المستوى الدولي، وعلى الرغم من تداعيات الحرب الأوكرانية، يبدو أنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تدخل في مواجهات عسكرية مباشرة مع الصين ومن غير المحتمل أن تدفع الصين بنفسها إلى حالة حرب مباشرة ضد تايوان، إذ تشير بعض التوقعات إلى عدم قدرة أي من الجانبين، سواء واشنطن أم بكين، على تحمل المخاطرة بتصعيد التوترات الراهنة التي يعاني منها كلا الاقتصادي، وقد يكون لقاء بايدن وتشي محاولة لتفاهمات حول إدارة الخصومة بين الأعداء الشركاء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن