ثقافة وفن

«في الرواية والقصة القصيرة»… رؤية للنصوص … استباق النص الإبداعي بمنهج جاهز هو تدمير حقيقي للروح الإبداعية

| مايا سلامي

صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة للكتاب دراسة بعنوان « في الرواية والقصة القصيرة- بحوث وقراءات»، تأليف الدكتور جهاد عطا نعيسة، تقع في 253 صفحة من القطع الكبير، وتهدف إلى البحث في الرواية التاريخية التي وعلى الرغم من التباسها بالتاريخ واستيعابها كثيراً من نصوصه وقضاياه وشخصياته وأحداثه، وتمثلها في وحدتها الأسلوبية العليا، فإنها تبقى خلقاً فنياً أولاً يرتاد قضايا تاريخية لكنه ليس تاريخياً، ومن ثم فهي عمل محكوم بمرجعيات الخلق الفني وقيمه على الرغم من رسالتها التاريخية أو الأخلاقية النبيلة أو ما شابه، ذلك أن نبل الرسالة في الفن لا يمتلك قيمته أو معناه إلا عبر اللغة الفنية التي يتجلى فيها بناءً وأدواتٍ وخصائص.

كما تسعى هذه الدراسة إلى تقديم رؤية نقدية جديدة للنصوص الإبداعية بعيدة عن وهم المنهج الواحد، نقد قد يكون متعدد الانتماء المنهجي يستجيب لخصوصية وخصائص العمل الإبداعي، النقد التكاملي، التكثيري، الحواري، متعدد الوجوه. وهو ليس نقداً تلفيقياً أو توفيقياً كما يطيب لمعارضيه أن يدعوا، بل هو النقد الأقدر على الاستجابة والتفاعل مع طبيعة الإبداع الإنساني وتعدد وتكامل مصادر ووجهات قراءته ونقده، فإن استباق النص الإبداعي بمنهج ناجز وجاهز للتطبيق مع كل نص بغض النظر عن مستواه الفني هو تدمير حقيقي للروح الإبداعية في الأدب والفن.

صورة الآخر

ويستهل الكاتب دراسته هذه في تحليل عمل الروائية الفلسطينية سحر خليفة «ربيع حار»، الذي قدمت فيه صورة تبدو ذات ملامح جديدة تماماً في ذاكرتنا الروائية العربية بطلتاها شابتان غربيتان إحداهما يهودية اسمها «ميرا» وثانيتهما إنكليزية مسيحية اسمها «راشيل»، فيبحث هنا د. نعيسة في الصور التي تعكسها مرآة الوعي الروائي العربي عن الآخر، ويشير إلى الجديد في عمل (خليفة) ليس حضور الشخصية الغربية أو اليهودية بوصفها آخر في نص روائي عربي، بل الحضور المشمول بكل هذا القدر من الاستيعاب والقدرة على فهم هذا الآخر في شرط حر يعرف كيف يمارس فيه حريته وقرار حريته الآخر بوصفه آخر وبوصفه يمتلك ما يقوله ويفعله من موقع آخريته تحديداً لنا ولقضيتنا ولكل القضايا العادلة. فـ«ميرا» مثلاً هي اليهودية التي ولدت في فلسطين وهي لذلك تعلن أنها غير مسؤولة عن انتماء أهلها الديني أو الأيديولوجي، أما راشيل فهي الإنكليزية القادمة إلى فلسطين من عالم آخر برؤيتها هي وبقلبها هي وبقدرتها النضيرة على ضرب المثل لإيقاظ الضمير الغافي لنصرة شعب يتواتر قدمه ما بين حدي الشتات أو الحاجز والجدار المنيع.

ثقل إبداعي

ويقدم د. نعيسة قراءته لرواية «أعدائي» للشاعر والمسرحي السوري الشهير ممدوح عدوان الذي أكد من خلالها قضية إبداعية في غاية الأهمية وهي عودة الرواية إلى مصدر أصالتها وجمالها ومتانتها وقوة إقناعها، بالإضافة إلى تفاعلها العميق مع تجارب الناس وقضاياهم بعيداً عن كل الأشاغيل الشكلية التي أفقدت الرواية كثيراً من معناها ومسوغ وجودها وقوة تأثيرها في الذاكرة والضمير.

ويقول: «لم يتجنب (عدوان) الخضوع لطغيان الوافد المحتذى وموجاته المتتالية فحسب، بل تجنب وهو الشاعر المعروف منزلقاً آخر ذا خطر خاص فيما يتصل بالسرد الروائي لا يزال يضرب جذوره في غير قليل من التجارب الروائية العربية المعاصرة، أعني النزعة الشعرية لغة وشخصيات ومناخات، منزلقاً كثيراً ما دفع بهذه التجارب إلى المواقع الملتبسة لنصوص هجينة، تغالب شهوة الشعر أو تهرب إليها وهي تحاول الرواية فلا تفوز بها ولا تفوز به شأنها شأن ذلك المنبت عاثر الحظ والمصير الذي أضاع الظهر والأرض في آن معاً. إننا وبالاتكاء على دلالة مصطلح فيزيائي أمام ثقل إبداعي يجنّب هوائية الاحتذاء أو التشاعر وخفتهما».

وفي القصة القصيرة يتناول الكاتب مجموعة حسن حميد الأخيرة « في البحث عنها» التي ضمت مختارات من قصصه السابقة بشكل يتيح بناء متوالية قصصية تأخذ بعلاقات بعض قصصه بسياق ما لإحدى القضايا أو بناء توليفة قصصية تأخذ بوحدة الموضوع أو المكان أو الشخصية، ويبين د. نعيسة أنه من حق المبدع أن يفعل ما يشاء على هذا الصعيد لكن المربك للدارس أن يجد نفسه أمام تغيير عناوين القصص القصيرة السابقة كلها دون الإشارة إلى ذلك، وهذا ما يفاجئ في مجموعة «حميد» المختارة «في البحث عنها» على الرغم من أن حرفاً واحداً لم يتم تغييره في متون قصصها، فقصة «السجان» مثلاً كانت تحمل عنوان «المساءات» في مجموعة «مطر وأحزان وفراش ملون»، وقصة «تجوال» كانت تحمل عنوان «الهدهدة» في مجموعة «هناك قرب شجر الصفصاف»، وقصة «الفنان» كانت تحمل عنوان «انتظار لمساء بعيد» في مجموعة «حمى الكلام»… إلخ. وفي هذا الجانب يقول الكاتب: «كان من المنتظر بداهة الإشارة في مقدمة مجموعة (في البحث عنها) إلى كونها مختارات وليست عملاً جديداً وهو ما كان حرياً بـ(حميد) الاهتمام به في مقدمته، إلى جانب تلك التحية الخاصة المشتعلة من وقدة شجنٍ جميل لذكريات مستعادة للأردن بشراً وحجراً ونهراً وشجراً التي تشغل ثلاث صفحات من هذه المقدمة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن