قضايا وآراء

نتوقع ولا نتمنى

| منذر عيد

ليس من باب السباحة عكس التيار، إذا ما قلنا إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لن يتوانى عن شن عدوان عسكري بري على مناطق سيطرة ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد»، بعكس ما يتوقعه الكثيرون، وذلك لأسباب عدة، أولها أن تفجير «الاستقلال» الذي وقع في مدينة إسطنبول مؤخراً، يشكل فرصة فريدة وكبيرة لأردوغان لتحقيق جملة من الأهداف، سواء في الداخل التركي أو فيما يخص عدوه اللدود «قسد»، وربما لن يحصل على حدث آخر يعطيه الفرصة ذاتها التي وفرها تفجير «الاستقلال»، لجني محصول سياسي وفير، كما يلوح في الأفق حالياً.

مع قرب الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية التي باتت على الأبواب فهي ستجري في حزيران 2023، يبدو أن أردوغان الذي يعيش هاجس هزيمة الانتخابات الرئاسية المقبلة، نتيجة تدني شعبية حزبه، ومن خلال تصريحاته، وجد في تفجير «الاستقلال» ضالته، وفرصة مناسبة لأن يطلق معركته الانتخابية «باكراً»، وعبر رسائل الترهيب، في وجه خصومه السياسيين، خاصة حزب الشعوب الديمقراطي، ثالث أقوى حزب تركي ومحسوب على الأكراد، كما أن التفجير، وما تلاه من أحداث يشكل أرضية مناسبة تفسح المجال أمام أردوغان لتشديد قبضته الأمنية، وفرض القيود على المجتمع التركي وإطلاق حملة واسعة من الاعتقالات، بحجة الاشتباه بالصلة سواء مع «حزب العمال الكردستاني»، أو تنظيم داعش الإرهابي أو مع تنظيمات يسارية معارضة، بما يخدم مصلحته، ويمكنه من الاستفراد بالساحة السياسية في تركيا. وبالطبع فإن شن عمل عسكري ضد «قسد» يشكل ورقة الود التي تقرب أردوغان أكثر وأكثر من أنصاره، وتمكنه من فرض نظريته بأن الأمن ومحاربة «الإرهاب»، ذات أولوية تفوق أولوية الاقتصاد والتضخم وارتفاع الأسعار.

ولطالما لم ينس أردوغان فكرة إقامة ما يسميها «منطقة آمنة» في الشمال السوري، فإن الوضع الراهن يوفر له كل الأسباب للقيام بذلك الآن، وبحجة محاربة «الإرهاب» والانتقام لضحايا «الاستقلال»، عبر عدوان بري على مناطق شمال شرق سورية، من دون الحصول على ضوء أخضر روسي وأميركي، وهو ما أكده أردوغان بأنه لم يجر أي محادثات مع الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين بخصوص العملية في شمال سورية والعراق، قائلاً: «جهاز الأمن التركي يقرر ويتخذ خطواته، ولا ننتظر الإذن من أحد، وعلى الولايات المتحدة أن تعرفنا جيداً بعد الآن، كل من السيد (الرئيس الأميركي جو) بايدن والسيد (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين يعلمان أنه يمكننا القيام بمثل هذه العمليات في هذه المنطقة في أي وقت (…)، في واقع الأمر في هذه الحالة نقول دائماً إننا يمكن أن نأتي فجأة في ليلة واحدة».

إذا كنا نتوقع ولا نتمنى، قيام الإدارة التركية بشن عدوان على شمال سورية، فإن ثمة مؤشرات أيضاً تشي بإمكانية حدوث ذلك، ولو بشكل يمكّن الرئيس التركي من تسجيل نقاط إضافية على سجل حملته الانتخابية القادمة، ومن تلك المؤشرات، التي ربما لا ترقى إلى ضوء أخضر قول المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سورية ألكسندر لافرنتييف من عاصمة كازاخستان أستانا، إن بلاده تأمل في امتناع الأتراك عن «أي استخدام مفرط للقوة» في سورية، ومن قبل ذلك دعوة الولايات المتحدة الأميركية، مواطنيها إلى تجنب السفر إلى شمال كل من العراق وسورية نتيجة «تقارير موثوقة» عن قرب شن تركيا عمليات عسكرية هناك، ليكون السؤال ما المقصود بـ«استخدام مفرط للقوة»؟ وماذا يعني تحذير واشنطن لرعاياها؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن