ثقافة وفن

تأثرات العمارة الدمشقية … العراقة كانت بالجمع والتأثر والتأثير بكل العصور

| أنس تللو

إن الحديث عن البناء العريق يشبه إلى حد كبير الحديث عن الإنسان، بل إنه يشير بجلاء إلى تلك اليد البناءة الغنية العريقة، وكما أن الحضارة الغنية تنتج عن امتزاج حضارتين أو أكثر، كذلك فإن الفن المعماري الأصيل تتشابك فيه وتتناسج فنون عديدة.

ولقد تطورت العمارة الدمشقية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين تطوراً ملحوظاً؛ وذلك بسبب انفتاحها على أساليب متعددة في العمارة حملها معه الغزو الأوروبي القديم.. ثم تزايدت تلك التأثرات عن طريق المعماريين العرب الذين درسوا في الغرب.

من هنا فإنه تتناثر في مدينة دمشق أبنيةٌ شاهقة ممتدة، تم تشييدها منذ أواخر القرن التاسع عشر، أبنيةٌ تشير بوضوح إلى يد بناءة فنية متميزة، وتكاد تكون متحفاً للتصاميم القديمة، أو معرضاً لفنون العمارة العربية، وقد توزعت هذه الأبنية في عدة أنواع.

من هذه الأبنية بناء محطة الحجاز، وهو أول بناء يجمع بين الأصالة والحداثة، صمَّمه المعمار الإسباني (فرناندو دو أراندا)، وأشرف بنفسه على تنفيذه، أما زخارفه الداخلية فقد صممها ونفذها الفنان أبو أمين الدهان.

ويذكر أن المهندس الإسباني دو أراندا قد صمم عدة أبنية في دمشق، منها بناء البسام مقابل مجلس الشعب وعدد من البيوت الفخمة مثل بيت جميل مردم بك في حي نوري باشا، وهذا الطراز من الأبنية هو الطراز المحلي الحديث أو المحدث.

أما النوع الثاني فهو الطراز الباروكي، يتميز هذا الطراز بالزخارف الكثيرة الجصية والحجرية التي كانت تستورد جاهزة من أوروبا، وهذا الطراز هو انعكاس للطراز الباروكي الفني الذي ظهر في أوروبا في القرنين السابع والثامن عشر، والذي كان يعكس العمارة الإغريقية والرومانية، وقد انتشر في مناحي الحياة كافة آنذاك؛ إذ نلمس تأثيره في العمارة والتصوير والنحت والزخرفة والملابس والزينة وطريقة تصفيف الشعر وأسلوب الغناء والإفراط بالتنميق والتزويق والزخرفة، ومن أمثلة انعكاسه على العمارة في مدينة دمشق بناء مكتب عنبر وزخرفة القاعة الدمشقية.

وهناك الطراز الأوروبي الحديث؛ ومن أمثلته بناء فندق الأوريان بالاس الذي صممه المهندس اللبناني أنطوان ثابت عام 1932، ويتميز هذا النوع من البناء الذي يماشي أساليب العمارة الحديثة في أوروبا في القرن العشرين بأنه يسعى إلى تأمين حاجة الإنسان بالإطلالة على مساحة واسعة من مشهد المدينة وتأمين التهوية وضوء الشمس.

وقد صمم المهندس ثابت أبنية أخرى مثل بناء القدسي مقابل البريد… وسار عدد من المصممين المعماريين على هذا النهج الأوروبي الحديث؛ فكانت أبنية شبيهة مثل فندق أمية الكبير وفندق عمر الخيام الذي صممه المعمار اللبناني فريد طراد.

وهناك الطراز الكلاسيكي المحدث، وقد ظهر في باريس، ومثاله في دمشق بناء السراي (وزارة الداخلية ) الذي بني في عهد الوالي العثماني ناظم باشا.

الطراز المتوسطي نسبة إلى البحر الأبيض المتوسط، ومثاله مدرسة الفيحاء في جادة الصالحية في بدمشق.

الطراز الكولونيالي أو الاستعماري مثل المشفى الإيطالي وبعض الكنائس.

طراز الأسلوب الجديد؛ ويمثله بناء العابد الذي صممه أيضاً المهندس الإسباني فرناندو دو أراندا عام /1910/.

وهناك الطراز المحلي الحديث الذي يتميز بكثرة الأقواس والأعمدة وانتشار الزخارف الحجرية في الواجهات ومن أمثلته في دمشق: قصر العدل وبناء مؤسسة مياه عين الفيجة.

أما الطراز الأخير فهو طراز الحداثة، ومثاله مكتبة الأسد الوطنية ومبنى دار الأوبرا والمعهد الموسيقي.

وبعد؛ فإن تأثر الطراز المعماري الدمشقي بالأنماط الأوروبية لا ينقص من شأنه… بل إن المقدرة على التمازج والتأثر هو في حد ذاته قوة وبراعة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن