ثقافة وفن

محمد الحريري الشاعر المهموم بقضايا الأمة والأحرار.. من التصوف والموسيقا إلى الشعر الباقي دوماً

| الوطن

احتفالاً بالذكرى المئوية لولادة الشاعر السوري محمد الحريري أقامت مديرية الثقافة في حماة بالتعاون مع نقابة المعلمين ندوة لمناقشة شعره برعاية الدكتور محمد زنبوعة محافظ حماة وبحضور أمين فرع حماة للحزب وحشد من أساتذة الجامعة، والمثقفين والشعراء، وممثلي نقابة المعلمين شارك فيها الدكتور محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتاب العرب، والدكتور راتب سكر أستاذ الأدب العالمي في جامعة حماة، ود. إسماعيل مروة مدرس الأدب الحديث بجامعة دمشق، وتناولت الندوة جوانب عديدة من فكره وإبداعه الشعري الذي لم يأخذ حقه حتى الآن من الدراسة.

مع مناضلي العالم

ألقى د. الحوراني ورقة تناول فيها جوانب من شعر الحريري، وعن علاقته بأحرار العالم ومناضليه، وركز على علاقته بالمستضعفين، والبسطاء والفقراء، كاشفاً عن إيمان الشاعر العميق بالإنسان والخير والحق والجمال فقال في ذلك: قامة باسقة في الشعر العربي، ولاسيما شعر المناسبات والشعر الوطني، عرف بانحيازه لقضايا أمته العادلة ولاسيما قضية فلسطين وغيرها، كما عرف عنه تمسكه بالقضايا الإنسانية العادلة، ووقف الشاعر محمد الحريري مع مناضلي العالم الأحرار في قرن هو قرن التحرر والكفاح الوطني، كما كانت حياته الأقرب إلى رحلة شوق ليدرك الأمن والسعادة؛ في عالم تتهدده الأخطار من كل اتجاه، رحلة لم تأت له إلا بالغم والهم والألم الكظيم. وإذا كان البعض يرى فيه شاعر مجون وفسق، فإن في أشعاره الكثير من الوطنية والانتماء والصدق والإيمان العميق.

ولم يكن الحريري ليقف عند فقره ويمسك يده، بل كان كلما توافر له المال أنفقه على وجه السرعة وكأن بينهما عداوة وقطع صلة رحم، كما كان منحازاً للمهمشين والفقراء بارعاً في تصويرهم كما في قصيدته «بائع الأسكا».

تيار نهضوي بامتياز

وتناول الدكتور سكر في ورقته جولة أفق في نشأة الحريري العريقة والصوفية، لأسرة جاءت من حوران، وشكلت مع أقرانها حاملة للوعي الفكري والفني والموسيقي، فأظهر البيئة الفكرية التي أظهرت هذا الشاعر الكبير الذي تعلم في مدارس حماة حتى انتقل إلى دمشق للدراسة في قسم اللغة العربية، ومن ثم تدريسه في عدد من ثانويات دمشق «قدم د.راتب سكر رؤية في تأسيس النص الشعري لدى محمد الحريري على تداخل الموضوعات والصور والرموز الفنية في إهاب إنساني شامل: محليا، ووطنيا، وقوميا، وعالميا. وأرجع ذلك إلى مؤثرات نشأته في ربوع العاصي التي كان يتفاعل معها تيار إنساني نهضوي بامتياز، في كتابات أعلام زمنها، ولاسيما حسن الرزق صاحب مجلة «الإنسانية»، وأحمد الصابوني صاحب صحيفة «لسان الشرق»، والطبيب الشهيد صالح قنباز صاحب الكتابات المتميزة.

وتوقف سكر عند بعض قصائد الحريري، ذات الصور الفنية والموضوعات الدينية، والوطنية، والقومية، والعالمية، ذات الدلالة في هذا المضمار، مثل قصائده: «لوركا، وراقصو القفقاس، وأفريقيا الثائرة، وباتريس لومومبا، وبيتنا وجمال عبد الناصر»، التي يبدؤها قول الحريري:

«بيتنا المغروسُ في أحْضانِ غابَه
لم يُفارقْ بعدَ مَثْواكَ ضبَابَهْ
لك منها يا جمالُ مزْنَة
تمطرُ البيتَ ثباتاً وصلابَهْ».

الحريري والمنبر والحداثة

في ورقته د. مروة تحدث عن الحريري والحالة المنبرية في شعره، إذ كان الحريري يندفع في كل مناسبة إلى المنبر لإلقاء قصائد المناسبات، ما دفعه للابتعاد عن الإخلاص لشعره وموهبته الشعرية الفذة، مع أن الحريري كان شاعراً قادراً وكبيراً، لكن تعامله مع الشعر ووظيفته كان تعاملاً آنياً، وأظهر براعة الشاعر في تناول القضايا الحارة: «وأما المنبرية فأمر يقتضي الوقوف عنده مطولاً، عندما يستدعيه المنبر، ويستثيره الميكرفون فالشعر عندها يحتاج الوزن والقافية والتفعيلة، ومن طرف آخر يحتاج المباشرة والوضوح.. وأذكر من باب الطرفة والألم أن أحد أساتذتي، وهو أستاذ رياضيات رحمه الله، ومن الميدان، كنا في جلسة فقال: إن أهم الشعراء في العصر الحديث الحريري، وليتني أحصل على ديوانه أو على الأقل قصيدته في العالم الجليل بهجة البيطار، وفي الجلسة التالية قدمت لأستاذي نسخة من الديوان مصوّرة، فكانت سعادته غامرة وهو يقرأ ما قاله الحريري في اللغوي الشيخ البيطار، أسوق هذا المثال لأقول: ربما لم يلتق الحريري بالبيطار، ولم يتتلمذ عليه في حلقاته وربما كان لصيقاً به، لكنه عندما دعي لرثائه والقول فيه، قال قصيدته التي أحبها أستاذي وأبناء الميدان.

فقدتك أستاذي ومثلك يفقد

فاطفئ ضلوعي إنها تتوقد

وعندما يتحدث عن عملية فدائية، فإنه يتناول حدثاً مباشراً ساخناً، ولو قدّمه في قصيدة التفعيلة، فإنه يحافظ على الوضوح والمباشرة لأنه يؤدي رسالة، ويقدم بطاقة حب للفدائيين.

في احتفالية يوم الثقافة، وضمن برنامج محدد وضعه مدير ثقافة حماة لتكريم أدباء حماة ومثقفيها وما أكثرهم جاءت ندوة تكريم محمد الحريري متزامنة مع تكريم مدحة عكاش الأستاذ والأديب الحموي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن