قضايا وآراء

حين تتهم ألمانيا أوروبيين يدعمون الفلسطينيين بالعنصرية!

| تحسين حلبي

كان من المقرر والطبيعي بعد هزيمة النازية في ألمانيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية أن تصبح السياسة الألمانية لكل الحكومات مناهضة بل معادية لكل أشكال العنصرية وخاصة أن ألمانيا تعهدت للعالم بألا تدعم أي نظام عنصري فاشي وأي احتلال بعد أن خاض الحكم النازي فيها حروبا لاحتلال المستعمرات وتشريع العنصرية الفاشية، لكن حكوماتها في هذه الأوقات تجردت من هذه المعايير الدولية وبدأت بانتهاج سياسة تدعم الاحتلال الإسرائيلي والعنصرية التي يعامل المحتلون فيها الفلسطينيين في وطنهم المحتل وتعارض خطابهم السياسي الذي يفضحون فيه عنصرية الاحتلال بل تمنع عنهم إطلاق صرختهم ضد وحشية هذه العنصرية، وبهذه الطريقة أصبحت الحكومات الألمانية وكأنها تخضع لسياسة الاحتلال الإسرائيلي أو أنها ترغب في التقرب من الكيان العنصري الإسرائيلي على حساب مبادئ الأمم المتحدة وقوانين مناهضة العنصرية لنيل رضا الإسرائيلي عنها وكأنها تريد تكرار السير على طريق العنصرية التي مارستها في الحرب العالمية الثانية.

الكاتب البريطاني جوناثان كوك نشر مقالاً في 23 تشرين ثاني الجاري يندد فيه بموقف ألمانيا المناهض للكاتبة المسرحية البريطانية كيريل تشرتشيل لأنها أعربت عن دعمها للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، ففي 31 تشرين الأول الماضي قامت ألمانيا بتجريدها من الجائزة الأوروبية لأفضل عمل درامي بسبب دعمها للفلسطينيين وكان هذا القرار قد أيدته وزيرة الفنون الألمانية بيترا اولشوفيسكي بعد أن اتهمت الكاتبة المسرحية كلير بمعاداة السامية، والمقصود طبعاً معاداة اليهود، وذكر المسؤولون عن هذه الجائزة أن الكاتبة كلير تؤيد منظمة «بي دي إس» الأوروبية التي تدعو إلى مقاطعة إسرائيل وإلى التنديد بعنصريتها واستمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية، مع الإشارة إلى أن حكومة بنيامين نتنياهو فرضت على البرلمان الألماني في عام 2019 اتخاذ قرار بالأغلبية يصنف فيه منظمة «بي دي إس» بالمعادية للسامية، وكانت كيريل قد عرضت في بريطانيا مسرحية من تأليفها كان الهدف منها التنديد بالحرب التي شنتها حكومة إيهود اولميرت على قطاع غزة عام 2008-2009 والتي قتل فيها عدد كبير من الأطفال والمدنيين الفلسطينيين، ويكشف جوناثان كوك أن إسرائيل سمحت للألمان بالتنديد بيهود يؤيدون منظمة «بي دي إس» وهم من الألمان والأوروبيين، وكان من الطريف أن تسمح بريطانيا ذات التاريخ الاستعماري وصانعة الصهيونية التي منحت فلسطين للصهيونية بعد احتلالها، بعرض مسرحية كيريل تشرتشيل في لندن، حين ألمانيا تتحول إلى دمية بيد إسرائيل والحركة الصهيونية وتتهم كيريل بمعاداة السامية وتنزع منها جائزة أوروبية لأفضل الأعمال المسرحية، وإذا كان الفلسطينيون يعتزون بكيريل ويقفون إلى جانبها فهي في الحقيقة على غرار الشعب الفلسطيني، لا تجد إلا القليل من الحكومات العربية التي يمكن أن تنتقد ألمانيا على موقفها غير المبرر ضد كاتبة أجنبية صورت في مسرحيتها بشكل فني مؤثر مأساة الفلسطينيين منذ الاحتلال الصهيوني لوطنهم قبل 74 سنة، علما أن مسرحيتها هذه لم يستغرق عرضها سوى عشر دقائق وتمكنت بصدق رسالتها من تفجير غضب وفزع إسرائيل من الحقيقة التي تنكرت لها ألمانيا بأبشع صورة لخدمة الاحتلال الإسرائيلي وعنصريته المعادية لكل البشرية، بل لجزء من اليهود الذين ينددون في أوروبا بالاحتلال الإسرائيلي والذين تضامن عدد منهم مع كيريل ومسرحيتها حتى في ألمانيا، ولا شك أن تعاطف الشعب الفلسطيني ووقوفه إلى جانب كيريل سيعوضها عن هذه الجائزة الأوروبية التي انتزعتها ألمانيا منها، لكن هذا لا يكفي لوحده بل لا بد لجميع اتحادات الكتاب والمسرحيين في العالم العربي من تقديم جائزة وأوسمة لهذه الكاتبة المسرحية التي دافعت عن حقوق الإنسان الفلسطيني وفضحت وحشية الاحتلال الإسرائيلي ودفعت ثمناً من الذين يدافعون عن الاحتلال ويقدمون له الدعم والتأييد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن