قضايا وآراء

آخر تحذيرات موسكو لـ«الناتو»

| تحسين حلبي

أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الخميس الماضي الأول من كانون الأول الجاري في مؤتمر صحفي أن الولايات المتحدة وحلف الأطلسي «الناتو»، أصبحا أكثر انخراطاً في الحرب ضد روسيا في أوكرانيا، وقال مخاطباً الطرفين: «يجب ألا تقول الولايات المتحدة وحلف الأطلسي إنهما لا تسهمان بالحرب في أوكرانيا بل أنتما تشاركان فيها بشكل مباشر وليس عن طريق إرسال السلاح فقط بل بتدريب الجيش الأوكراني في بلدانكم في أراضي بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وبلدان أخرى»، كما حذر لافروف من أن أي حرب تقليدية بين القوى الكبرى النووية غير مقبول لأنها تؤدي إلى زيادة خطر التصعيد النووي حتى لو بدأتها بعض الدول الكبرى باستخدام السلاح التقليدي».

هذا التحذير الواضح يترافق مع زيادة الأسلحة التي تكثف إرسالها إلى أوكرانيا الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى رغم الهزائم العسكرية التي يتكبدها الجيش الأوكراني وبنيته العسكرية التحتية والدمار الذي يصيب مدن أوكرانيا، وهذا ما يعزز الاعتقاد أن الإدارة الأميركية تحاول من خلال إعلانها عن زيادة وتوسيع الدعم لأوكرانيا إبلاغ رسالة لموسكو بأن الغرب لن يتوقف عن هذه السياسة إلا بعد أن تقدم موسكو تنازلات في عدد من أهدافها، وربما هذا ما يمكن استنتاجه مما أعلنه الرئيس الأميركي جو بايدين حين قال في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الخميس الماضي أيضاً: «إنني جاهز للتحدث مع (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين إذا وجدت في الحقيقة مصلحة منه يقرر فيها أن يتطلع إلى طريقة لإنهاء الحرب، وهو لم يفعل ذلك بعد».

ربما هذا يعني أن ما قاله بايدين في المؤتمر الصحفي عبارة عن رسالة يريد بايدين من ماكرون نقلها بشكل سري بتفصيل أوسع وبنقاط أكثر تحديداً لأن ماكرون اعتاد إجراء محادثات علنية مع بوتين منذ بداية العملية الروسية العسكرية في أوكرانيا ولم يتوقف عن ذلك حتى الآن.

ويبدو أن بايدن ينتظر استنفاذ بعض وسائل الضغط الغربية على موسكو لكي يحاول الاتصال ببوتين، لكن الرئيس الروسي بالمقابل يدرك أيضاً أن ميزان القوى العسكري يميل لمصلحة روسيا والصين إذا ما اصطدمت الولايات المتحدة مع إحداهما أو معهما في أي حرب، وهذا ما أكده بشكل ما ضمنياً وزير الخارجية الروسي لافروف حين أعلن في المؤتمر الصحفي ذاته الخميس الماضي أن «القيادة الروسية تدرك كيف تنظر الجمهورية الشعبية الصينية إلى الاستفزازات التي يقوم بها حلف الأطلسي في بحر الصين الجنوبي ناهيك عن موضوع تايوان ومضائق تايوان، ونحن نعرف أن هذا اللعب بالنار من قبل حلف الأطلسي يحمل معه تهديدات وأخطاراً على الاتحاد الروسي»، وواشنطن قامت بزيادة وجودها العسكري في بحر الصين الجنوبي وشارك معها بعض دول حلف الأطلسي مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا في إرسال بعض السفن البحرية العسكرية إلى تلك المنطقة، ولذلك أعلن لافروف أن روسيا والصين يزيدان من تعاونهما العسكري رداً على نيات حلف الأطلسي ضد الدولتين.

ولعل ما نشهده الآن من المواجهة والاشتباك السياسي الحاد والخطير الجاري على الساحة الدولية بين التحالف الروسي الصيني والتحالف الغربي الأميركي هو آخر سيناريوهات ومراحل حرب استفزازات شنتها الولايات المتحدة والغرب على القوتين الكبريين روسيا والصين لفرض النظام الأميركي- الغربي عليهما وتزايد بوادر فشل هذا الهدف أمام التصدي الروسي والصيني لهذا النوع من الحروب ضدهما.

ربما لم يعد أمام الولايات المتحدة وحلف الأطلسي الآن أو في المستقبل القريب في هذه الظروف سوى واحد من حلين أو سيناريوهين، إما التفاوض على مشروع حل ينهي وجود قواعد النظام الأميركي – الغربي الأحادي ويضع قواعد نظام عالمي متعدد الأقطاب تفقد الولايات المتحدة فيه هيمنتها وتسلطها على العالم وشعوبه، وإما الاستعداد لشكل من أشكال المجابهة بالسلاح النووي بين القوى الكبرى وتدمير العالم بأيدي الغرب الذي لا يريد إلا المحافظة على هيمنته وتسلطه مهما بلغ الثمن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن