قضايا وآراء

الحرب الأميركية على موسكو ومنطقتنا

| تحسين حلبي

إذا كانت الحركة الصهيونية قد استفادت من حربين عالميتين خلال أكثر من ثلاثين عاماً، الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) ثم الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)، لكي تصبح كياناً إسرائيليا عام 1948، فإن هذا الكيان وجد نفسه في عام 2022 في ظروف حرب شبه عالمية جديدة يشنها حلفاؤه في الغرب والولايات المتحدة ضد روسيا في أوكرانيا، ويخشى من نتائجها على مستقبله، بل من توسعها إلى ما هو أبعد من حدود روسيا وأوروبا، وكذلك مما يمكن أن تفرضه من فرز واستقطاب ليسا في مصلحة إسرائيل أو مصلحة حليفها الأميركي، فهي تنظر بقلق وخوف شديدين من تطور التحالف المتين بين موسكو وطهران ومعهما بكين، وفي إطار هذا التحالف يخيفها وجود سورية والمقاومة اللبنانية والفلسطينية، فقد أصبحت قدرات محور المقاومة قوة إقليمية، وعلاقاته بموسكو وبكين تشكل قاعدة قادرة على فرض جدول عملها في المنطقة وخاصة فيما يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي ومستقبل وجوده.

ويلاحظ الجميع أن قيادة هذا الكيان حافظت حتى الآن على سياسة الغموض في موضوع اصطفافها إلى جانب حلفائها الاستعماريين التاريخيين، فهي تعلن عن رفضها «لحرب روسيا في أوكرانيا» ولكنها تعمل على الظهور بمظهر من لا يشارك في تسليح أوكرانيا أو تدريب جنودها على غرار ما يفعل الغرب الأوروبي، لأنها تراقب بحذر تطورات العملية العسكرية الروسية ومضاعفاتها وتفاعلاتها ونتائجها على الوضع العالمي والإقليمي وانعكاسه على المنطقة، وظهر لها حتى الآن أن أهم ما تخافه قد وقع حقاً وهو تطور العلاقات في المجال العسكري وإنتاج الصواريخ بين طهران وموسكو بعد أن تبين علناً أن طهران صدرت طائرات مسيرة لموسكو قبل بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وهذا يحمل معاني كثيرة وخطيرة ليست في مصلحة إسرائيل التي عجزت عن التخلص من جبهة محور المقاومة بقاعدتيها الإقليميتين دمشق وطهران خلال أكثر من عشرين عاماً، بل إن قادة الكيان يعترفون بأنهم هزموا مرتين من أطراف هذا المحور عام 2000 حين أجبرتهم المقاومة اللبنانية على الانسحاب مهزومين من الحرب التي شنت على لبنان والأراضي التي احتلت منه، وكذلك حين هزمتهم المقاومة اللبنانية وحلفاؤها في حرب عام 2006، وحين هزمتهم المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وحررته، ولاحظ قادة الكيان بعد ذلك أن انتصار سورية ومعها محور المقاومة وروسيا على الحرب الكونية التي شنتها قوى الغرب وإسرائيل عليها منذ عام 2011 جعلت هذا المحور يصبح أكبر قوة إقليمية في المنطقة وأهم قوة متحالفة مع موسكو وبكين.

في ظل هذه الظروف الإقليمية تجد إسرائيل أنها هي التي ستدفع ثمناً باهظاً سواء طالت حرب الغرب على موسكو أو قصرت وانتهت بولادة نظام عالمي متعدد الأقطاب تتبوأ فيه موسكو وبكين لأول مرة في تاريخ العالم وحروبه موقعاً رئيساً ومركزياً في نظام عالمي لا يكون فيه القرار الحاسم أو المؤثر في مستقبل المنطقة والعالم لواشنطن أو لندن أو باريس وهي العواصم التي صنعت الصهيونية وكوارث الشعب الفلسطيني والأمة العربية وشعوب المنطقة، أما إذا استمرت المجابهة بين الغرب وموسكو لسنوات عديدة فلا أحد يضمن عدم اتساعها ووصولها إلى ميدان الشرق الأوسط وبشكل لم يعهده الكيان الإسرائيلي منذ ظهوره بعد الحربين العالميتين في القرن الماضي، لأن محور المقاومة تزداد قوته فيما يشكل من جبهة واحدة ضد هذا الكيان وفيما سيفرضه من جدول عمل لمصلحة أهداف شعوبه ضد كل أشكال الاحتلال والهيمنة الغربية- الأميركية، وستنتفي حاجة الغرب لدور إسرائيل الوظيفي الذي أعدته لها في المنطقة لأن وجود محور المقاومة واتساع علاقاته مع دول المنطقة سيفرض تحولات على هيمنة الولايات المتحدة ومستقبل كيانها الاستيطاني.

هذا في الحقيقة ما أعربت بعض مراكز الأبحاث الغربية عن خوفها منه ومن بينها مركز «ويلسون للأبحاث» الأميركي الذي توقع أن تطرأ عوامل ضعف على النفوذ الأميركي في منطقة الشرق الأوسط ويضعف تأثيرها على عدد من الدول العربية، فيملأ الآخرون الفراغ.

مركز الأبحاث الألماني «أنترنيشنال كورترلي – الفصلية الدولية» أشار في تموز الماضي إلى بداية خسارة ألمانيا لما توقعت الاستفادة منه في الشرق الأوسط بسبب الحرب في أوكرانيا وانعكاساتها على مواقف دول المنطقة، وذكر البروفيسور البرازيلي اوليفير ستوينكيل في مركز أبحاث «أينستيتيوت مونتين» في 29 أيلول الماضي أن أوروبا والعالم ومناطق كثيرة لن يعودوا كما كانوا قبل الحرب في أوكرانيا وانخراط الغرب فيها ضد روسيا، فثمة عالم أوروبي ودولي جديد يجري تشكيله من هذه الحرب ونتائجها، وهو لن يسر الغرب وما لا يسر الغرب ينتج عنه دوما خسارة لدولة الاحتلال الإسرائيلي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن