اقتصاد

إدارة بمبدأ نصف لوح الشوكولا!

| د. سعـد بساطـة

يبدو أنّ عـصر الكلمة الفصل في المؤسسات قد اختفى وانقضى؛ وحل محله المواقف الرمادية ذات الجمل الرجراجة!

قديما أوصى «ميكيافيللي أميره بإدارة الناس بالمرونة والكياسة ((وهذا ينسحب عـلى إدارة المؤسسات – موضوعـنا-))؛ ولكن هذا لا يعـني بأيّ حال من الأحوال؛ أن تتخذ الإدارة قرارات مائعـة زئبقية!

أذكر أننا نشأنا وترعـرعـنا عـلى سماع كلمة الأهل؛ وتنفيذ توصياتهم، وأهمها: لا تقبل شيئا من غـريب (وبخاصة قطعـة حلوى)!

وهنا سأسرد حكاية – قرأتها- لعـلها تحمل بعـض العـبر…

يقول صاحبنا إنه في طفولته؛ قد سمع تكراراً نواهي الوالدين بعـدم قبول أيّ هدية من غـريب؛ ولكن أحد كبار الجيران تقدم له «بلوح شوكولا»؛ وهذا يعـادل عـنده في تلك الحقبة من عـمره: الدنيا وما فيها؛ فتردد بأخذه؛ وأخذ يشاور نفسه [آخذ- لا آخذ- آخذ- لا آخذ..]؛ إلى أن توصـّل إلى حل عـبقري بنظره؛ يرضي جشعـه؛ ويخدّر تواصي الأهل في ذات الوقت. اقترب من الجار؛ وأخذ لوح الشوكولا؛ قسمه إلى نصفين، أخذ نصفا وأعـاد النصف الثاني؛ يكون بذلك قد أسكت عـشقه للشوكولا؛ ولم يخرق أوامر الأهل بشكل مطلق!

الآن: كم لدينا من مؤسسات ومدراء؛ يقومون بالفعـل نفسه؛ لدى اتخاذهم مواقف واهية؛ وتبنـّيهم حلولاً ضعـيفة وركيكة؛ بغـية القفز فوق المشكلة بدل مواجهتها!

أذكر ببداية حياتي بالتدريس في الجامعة؛ كنت أتشاجر مع زميل من أجل الاستحواذ عـلى مادة ما كوني ضليعـا فيها؛ وهو يصر عـلى الاحتفاظ بها؛ فاحتكمنا لعـميد الكلية الذي كان يشتهر بلطفه الفائق للحد؛ أسمعـته حجتي.. فبدا عـليه الاقتناع؛ وقال لي «معـك حق» وتلا زميلي حجته؛ فأنصت له باهتمام؛ وقال أيضا «معـك حق».. هنا أبديت تذمري قائلاً «سيدي؛ نحن عـلى طرفي نقيض؛ فكيف يكون كلانا عـلى حق؟!».. ابتسم صاحبنا؛ وتركنا نحلحل مشكلتنا بنفسنا!

يتم إختزال دور المدير المؤسساتي بكلمتين «Decision Maker» أي متخذ القرار؛ وهذا يختصر الكثير من الكلام؛ فهو من يتحمـّل تبعـات قراره – أمام الجهات الأعـلى- أكانت إيجابية أم سلبية.

وقد أطلق عـلم النفس الإداري عـلى الشخصية الإدارية المترددة: لقب «الإدارة الوسواسية»!

وقد يكون للتريـّث باتخاذ القرار نتائج إيجابية؛ للتفكير والدراسة؛ ويعـزو البعـض تأجيل اتخاذ القرار لقلة خبرة المدير؛ ولكن لا ننسى أن هناك عـنصراً فيصلاً في العـمل؛ ألا وهو «الوقت» فلا يمكن تأجيل القرارات المهمة إلى ما لا نهاية!

سأل المفتش المدير – ضعـيف الإدارة -: «ما عـدد الموظفين الذين يعـملون في الشركة؟»؛ أجاب – بأسى -: «حوالي نصفهـم»..!

إليكم هذه الطرفة بالسياق نفسه: قال المدير الضعـيف لرؤساء الأقسام – بعـيد استشارته إياهم لاتخاذ قرار خطير- حيث لم يصلوا بعـد ثلاثة اجتماعـات لأي نتيجة «سنستمر في عـقد هذه الاجتماعـات اليومية المطوّلة؛ حتى نكتشف سبب ضعـف الإنتاجية في مؤسستنا»؟؟؟!

نبقى نتحدث بتفاؤل أو تشاؤم حول الموضوع نفسه؛ مثل الذي يعـتبر الكأس نصف مليء؛ والذي يعـتبر الكأس نصف فارغ؛ ولكن مديرنا يبرر الوضع «الكأس مصمم لضعفي كمية العـصير»!

هنا أذكر مديرا مترددا كان يعـشق عـمل الفريق؛ وسئل بالسر عـن سبب ذلك؛ أجاب بثقة «كي أضع اللائمة بحال الفشل عـلى كاهل الفريق..»!

أختم بعـرض توصية استقيتها من أحد أهم كتب الإدارة: «الشخصية المترددة؛ لا تصلح للقيادة الإداريـة»؛ نقطة… انتهى الكلام!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن