من دفتر الوطن

دكان السعادة!!

| عصام داري

منذ ثلاثة أيام أغلقت دكان العام 2022 لأفتتح دكان 2023 الجديد، وبالتالي تم إغلاق الحسابات القديمة التي أرى أنها كانت خاسرة بامتياز.

قبل ثلاثة أيام دخلت بقدمي اليمين إلى عامي الخامس والسبعين من عمري، يا للهول، تملكتني الدهشة والذهول: هل فعلاً قضيت على هذه الأرض أربعة وسبعين عاماً، وها أنا أبدأ العام الذي سيكون متمماً لثلاثة أرباع القرن، هذا إذا كتب لي أن أعيش لأشهد عيد رأس السنة الجديدة 2024؟.

سامحوني إذا بدأت الحديث عن نفسي وسنوات عمري التي لا تهم أحداً سواي، لكن عذري أن كلامي سيأخذ صبغة عامة فكلنا نعيش على هذا الكوكب وفوق هذه الأرض وفي هذه الرقعة الصغيرة التي اسمها سورية سواء أكانت بالتاء المربوطة أم بالألف الممدودة، فهي سورية بكل تلويناتها وشرائحها وأديانها ومذاهبها وأعراقها، ومن يعترض فعليه اللجوء إلى قوانين الطبيعة والجغرافيا والجنسية، والأهم: قانون المواطنة والإنسانية.

حياتي تخصني، إلا أن تجاربي تخصني وتخص غيري كذلك، وإذا كنت مقدماً على فتح دكاني الجديد فإنني أكون بذلك قد أوشكت على فتح دكان سنة جديدة نتمنى جميعاً أن تكون سنة سعادة وخير وأفضل من سابقتها التي كانت سنة متعبة بالنسبة لمعظم السوريين، بل هي كذلك بالنسبة للعالم الذي شهد ولادة الطفل رقم ثمانية مليارات منذ فترة وجيزة.

مع نهاية عام تستعد شعوب الأرض لاستقبال عام جديد بالفرح والسهر والألعاب النارية من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وكأن مرور يوم وعام من أعمارنا المحسوبة علينا بالورقة والقلم مناسبة للاحتفال، في حين علينا أن نحزن على عمر مضى وسنة صرفناها من بنك أعمارنا وراحت سدى!.

لن يغير كلامي شيء، فالعالم سيحتفل هنا، ويشهد في اللحظة نفسها موت الآلاف بالحروب والأمراض والجوع والفقر والحوادث هناك، وتعددت الأسباب والموت واحد، هكذا تعلمنا.

أعود للحديث عن دكاني الذي سيفتتح بعد ثلاثة أيام باحتفالات صاخبة في العالم أجمع، فماذا ستكون بضاعتي التي أعرضها، فكل دكان قائمة بضائع تقدمها لزبائنها، ودكاني لا يشذ عن هذه القاعدة.

بضاعتي ليست ملموسة، هي مجموعة قناعات وأمنيات ودعوات ربما تلامس قلوب السوريين جميعاً، فبعد سنوات الجمر والنار التي طالت معظم الناس، لا بد من عودة الوعي والخروج من دائرة ضيقة حبسنا أنفسنا فيها بفعل رؤية محدودة جداً بل متطرفة بعيدة عن روح المسؤولية والمواطنة.

بضاعتي محبة لا تعرف الأحقاد، وسعادة ننتظرها منذ أعوام، وبضاعتي لا تحمل الضغينة، ولا تشطب أشخاصاً وتسحب منهم هويتهم وتصادر حقهم في الكلام والآراء، وإذا كنا ومازلنا نقول إننا بلد الحريات فعلينا تشجيع حرية الرأي لتستقيم أقوالنا مع أفعالنا ونسهم جميعاً في بناء وطننا جميعاً، وليس وطن مجموعة أو فئة من الناس تحاول مصادرة حقوق أغلبية الناس.

تعبنا جميعاً في العقد الماضي، ولم يعد في أجسادنا وقلوبنا مساحة تكفي لجرح جديد، إن لم نقل لجراح تنتظرنا والوقت يمضي مسرعاً تاركاً جراح الوطن راعفة تنزف حتى آخر قطرة من دمائنا ووجودنا!.

عام جديد يفتح دفتره ذا الأوراق البيضاء وعلينا أن نكتب تطلعات شعب أنهكته الحروب والدمار والقتل والنهب وحتى الفساد، وحدنا نستطيع الكتابة في هذا الدفتر وستكون النتائج شبيهة بالكتابات، فهل نترجم آمالانا وطموحاتنا بالكلمات والأفعال وننتشل بلدنا من وضع مأساوي طال أمده؟.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن