قضايا وآراء

آفاق عام 2023

| الدكتور قحطان السيوفي

مع نهاية عام 2022، تكثر التقارير المستشرفة للعام 2023، لتسلط الضوء على عدد من الموضوعات، ولتقدم توقعات سياسية واقتصادية والمغزى الرئيس منها هو إلقاء الضوء على العوامل التي قد تؤثر في العام الجديد؛ سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.

الاطلاع على هذه العوامل هو الفائدة الحقيقية التي تعطي القيمة المضافة للتقارير المستقبلية، الحرب الأوكرانية شكّلت الحدث الأهم خلال 2022 الذي يصفه البعض بأنه «عام الزلزال» الذي ضرب بقوة النظام العالمي، فالعالم بعد 2022 لن يعود أبداً إلى ما كان قبل اندلاع الحرب.

أظهر الاقتصاد الروسي، رغم صعوبة الوضع، قدرات مهمة على التكيف بسرعة مع الواقع الجديد، وتعزيز الإجماع العام للمجتمع الروسي، ونجاح العمل المناهض للعقوبات من الحكومة الروسية، وتكريس تماسك المجتمع على «أساس القيم المشتركة والتاريخ المشترك»، وقدرة على التماسك في مواجهة الخطر الخارجي، حرب أوكرانيا وتداعياتها السياسية والاقتصادية كانت فرصة لاصطفاف الغرب معاً بعد سنوات من ضعف حلف شمال الأطلسي، والخلافات التي شابت الانسحاب الأميركي من أفغانستان في 2021.

وبينما كان مسؤولون غربيون يتحدثون عن عزلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «الدولية» بسبب حرب أوكرانيا، نجد في الواقع أنه لم يكن معزولاً دولياً بل كان معزولاً غربياً.

في المشرق العربي سنشهد في عام 2023 تصعيداً للمقاومة الشعبية السورية ضد الاحتلال الأميركي ومرتزقته الذين يسرقون الثروات النفطية والزراعية السورية، كما سنشهد ازديادا للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي وخاصة مع الحكومة الصهيونية العنصرية المتطرفة الجديدة.

اقتصادياً، تفاوتت التقارير التي تتوقع آفاق الاقتصاد العالمي للعام 2023، بين التشاؤمية بشدة، والأقل تشاؤماً.

أحدث التقديرات الدولية تتوقع نمواً اقتصادياً عالميا بحدود 3.3 بالمئة، إلا أن التوقعات السائدة تشير إلى مزيد من التدهور في قوى النمو الاقتصادي، وخصوصاً في الشهور الأولى من العام القادم، ويمكن القول، بثقة، إن التضخم سيظل القضية الأبرز على جدول أعمال الاقتصاد العالمي في 2023 وستكون محاصرة الضغوط التضخمية هي السياسة الرئيسية التي ستحظى على فائق الاهتمام من صنّاع القرار في دول العالم ومنظماته الاقتصادية وخاصة مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وعدم ظهور أفق لنهايتها، وما يستتبع ذلك من تداعيات متصلة، وتقارير صندوق النقد الدولي تتوقع الارتفاع المستمر في الأسعار العالمية بمعدل 6.5 بالمئة في العام 2023.

في أوروبا، وفي ضوء التضخم وتزايد الإعانات المالية لأوكرانيا والتوسع في برامج الدعم الاجتماعي ستتفاقم مشكلات العجز المتوقعة في الموازنات العامة الأوروبية.

في الولايات المتحدة، إن استمرار وضعية الدولار القوي وثبات أسعار الفائدة الأميركية على مستواها الحالي، سيفاقم مؤشرات مديونية الاقتصاد الأميركي للعالم لتكون من أبرز التهديدات المحتملة لنموه المتوقع في العام 2023، وقال الخبير الاقتصادي محمد العريان في «الفاينانشال تايمز» بتاريخ 28 كانون الأول إن البنك الاحتياطي الفيدرالي يواجه عاماً مريعاً.

وسيكون للتنافس الصيني – الأميركي بصمته الواضحة على النمو الاقتصادي عام 2023، كما أشار البنك الدولي إلى أن «اقتصادات الولايات المتحدة الأميركية والصين ومنطقة اليورو، ستشهد تباطؤاً حاداً للنمو».

لذلك فإن مجرد وقوع صدمة خفيفة للاقتصاد العالمي عام 2023 قد تهوي به إلى الركود.

من جانب آخر يتخوف العالم، مع بدء فصل الشتاء، من ارتفاع أسعار الوقود عام 2023، علماً أن برميل النفط سجل ذروة عام 2022.

تتوقف أسعار الطاقة خلال العام 2023 على المتغيرات المختلفة في الأسواق، من المعروض الروسي للنفط، وصولاً إلى الطلب العالمي، بالمقابل يقف كثير من الدول النامية في مواجهة أزمة، مع تداعيات ارتفاع أسعار الفائدة وزيادة قيمة الدولار الأميركي ما يجعلها غير قادرة على سداد ديونها بالعملات الأجنبية عام 2023، لكن قد تسهم الصين في تحسين الأرقام العالمية من خلال دعم اقتصادها المحلي بإطلاق حزمة إجراءات تحفيز جديدة.

ومع استمرار الحرب الروسية – الأوكرانية والمواقف الأوروبية المعادية وتحديد سعر سقف بيع النفط الروسي عند 60 دولاراً، سيكون لذلك تأثيرات في الاقتصاد العالمي، ويبدو أن التحديات التي تنتظر العالم عام 2023 لا تقل، من حيث درجة التنوع أو عمق التأثير، عما شهده خلال العام المنصرم 2022.

ورغم رؤيتي الشخصية المحكومة عادة بالتفاؤل النسبي، أقول: إن آفاق عام 2023 لا تدعو للتفاؤل، فشبح الركود واضح للعيان، مع استمرار التضخم المرتفع وتداعيات الأزمة في أوكرانيا، ما دفع صندوق النقد الدولي إلى خفض توقعاته لمعدل نمو الاقتصاد العالمي في العام 2023 الذي سيستمر فيه صدام الحضارات بحلة جديدة، بين الولايات المتحدة التي تُريد فرض هيمنتها المتآكلة على العالم، وبين الصين وروسيا التي ترفض ذلك وتعمل لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وأقول أخيراً إن التخبط والفوضى السياسية والاقتصادية في العالم لعام 2022 يمكن أن تستمر خلال العام الجديد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن