قضايا وآراء

«أولاد» الإرهاب يفخخون طريق أنقرة- دمشق

| منذر عيد

فعلت أولى الخطوات على طريق التقارب التركي – السوري والمتمثلة بلقاء وزراء دفاع سورية وروسيا وتركيا في موسكو مؤخراً، فعلتها لجهة تلمس البعض رأسه، ذاك البعض الذي يرى في عودة الهدوء والوضع في سورية إلى سابق عهده، تهديداً وجودياً له، فتعالت أصواته الرافضة لأي تقارب بين دمشق وأنقرة، وخاصة أن من متطلبات ذاك التقارب إعادة الصورة والخريطة السياسية والجغرافية في سورية إلى ما كانت عليه قبل بدء الحرب الإرهابية الكونية عليها، والتي كان من إفرازاتها ولادة أصحاب تلك الأصوات النشاز الرافضة للتقارب، وفي طليعتها التنظيمات الإرهابية والمجموعات المسلحة في إدلب، وميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد» والاحتلال الأميركي في شمال شرق سورية.

انتقال المحادثات السورية- التركية من المستوى الأمني والاستخباراتي إلى المستوى الوزاري لاحقاً، لم يكن بفعل أتوماتيكي، بل نتاج تطورات إيجابية على المستوى الأول أفضى إلى الانتقال للمستوى الثاني، تطورات ترضي بلا شك دمشق، التي أكدت مراراً أن أسس أي تقارب مع الإدارة التركية هو إنهاء الاحتلال والقضاء على التنظيمات الإرهابية، وإذا كان الجانب التركي أعلن على لسان وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو أنه سيعقد لقاء منتصف الشهر الحالي مع نظيريه الروسي والسوري، فإن ذلك سيكون ومن وجهة نظر دمشق نتيجة تطورات إيجابية في سلوك أنقرة بما تم الاتفاق عليه في لقاء وزراء الدفاع، وترجمته على أرض الواقع لجهة البدء في حلحلة ملف إدلب وفتح طريق اللاذقية – حلب «M4»، وتسريع وتيرة إعادة اللاجئين السوريين، خاصة أن دمشق ليست بعجلة في أمرها لإعادة العلاقات مع أنقرة لمجرد إعطاء رئيس الإدارة التركية رجب طيب أردوغان ورقة رابحة في الانتخابات القادمة في حزيران المقبل، وهذا الأمر يعيه أردوغان جيداً، ويعي أن سلوك طريق دمشق وإعادة اللاجئين، والتقدم خطوات في ضرب «قسد»، كلها أوراق رابحة يمكن أن تغير نتائج صناديق الانتخابات.

وعليه فإن التنظيمات الإرهابية في إدلب، وعلى رأسها جبهة «تنظيم النصرة» ومتزعمها المدعو أبو محمد الجولاني يعي ذلك أيضاً، وأن استمرارية التنظيم باتت على المحك، الأمر الذي دفع به إلى رفع الصوت عالياً في أول تعليق له على تقارب أنقرة من دمشق، ودعا إلى نفير عام وتقارب «إخوة» الإرهاب، إلا أن الجولاني يدرك جيداً أن الموقف التركي لا يشبه أياً من المواقف السابقة، التي أعلنت أنقرة عنها في اجتماعاتها مع موسكو، وتنصلت من تنفيذها، ويعي جيداً أن أي مواجهة بين التنظيمات الإرهابية والجيش العربي السوري لاحقاً، ستكون بخلاف سابقاتها أيضاً، لسبب بسيط، وهو أن تخندق القوات التركية سابقاً إلى جانب مسلحي «النصرة» لن يكون في قادم الأيام، بل إنها ستجد نفسها بين فكي كماشة الجيش السوري من الجنوب، والحدود التركية المغلقة من الشمال، وفي حقيقة الأمر فإن الجولاني يدرك جيداً أن بقاء تنظيمه الإرهابي على قيد الحياة هو بفضل الهواء الذي يستنشقه عبر الحدود التركية.

صراخ الجولاني مؤخراً، يأتي في أحد سياقين، إما من باب تسجيل موقف لدى مناصريه في المناطق التي يسيطر عليها، واستمالة العناصر الرافضة للتقارب في التنظيمات والميليشيات المنافسة له، وصولاً إلى القضاء على تلك التنظيمات وحلها، والانفراد بالسيطرة على مناطق إدلب، وإما من باب توجيه رسائل للجانب التركي، بهدف إيجاد موطئ قدم له في التسوية القادمة، بحيث لا يخرج من «المولد بلا حمّص»، خاصة أن رفع أنقرة الدعم عنه، هو بمنزلة خلع أنيابه التي كان يكشر عنها سابقاً.

حال «النصرة» تنطبق ذاتها على ميليشيات «قسد» والاحتلال الأميركي، فالأولى ترى في التقارب خطراً وجودياً عليها وخاصة أنها ولدت من خاصرة الأزمة والإرهاب، والثانية تعتبره ورقة قوة لعدوها اللدود روسيا، ونصراً لدمشق، وعليه تحاول واشنطن جاهدة إفشال المساعي الروسية للحل ومنع الانفتاح السوري – التركي، عبر تقوية أداتها «قسد» وتقديم دفعات من الأسلحة المتطوّرة لها، أو عن طريق إعادة هيكلتها، وإنشاء ميليشيات رديفة من مكوّنات عربية في الرقة على الحدود مع تركيا، كنوع من تقديم الطمأنينة للأخيرة بإبعاد خطر «قسد»، إضافة إلى إعلانها صراحة رفضها لأي تقارب، وهو ما جاء على لسان نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل، بان الإدارة الأميركية لا تنوي رفع مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، ولا تدعم تطبيع العلاقات مع الدول الأخرى أيضاً.

من المؤكد أن أي خطوة سورية لاحقة على طريق التقارب مع أنقرة، مرتبطة بخطوة تركية في «جغرافيا إدلب»، وإذا كان عالم السياسة لا يعرف صديقاً دائماً وعدواً دائماً، إلا أن العاملين فيه في الجانب السوري يملكون ذاكرة جيدة، وأن خطابات المنابر للآخرين لا تكفي لإعادة العلاقات، لحل ما تم تخريبه عبر أحد عشر عاماً، وإنما الحل يكمن في أرض الميدان، والمثل الشعبي يقول: «لا تقول فول حتى يصير بالمكيول».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن