قضايا وآراء

التطورات العالمية وانعكاسها على محور المقاومة

| تحسين حلبي

في الأسابيع الماضية ظهر أن قلقاً إسرائيلياً وأميركياً بدأ يزداد بسبب التعاون الإيراني الروسي في المجال العسكري وتبادل الخبرات والأخطار التي يحملها على المصالح الأميركية وحليفها الإسرائيلي في المنطقة، وكانت أبرز مظاهر القلق والخوف هي التي أبداها رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية «سي آي إي» وليام بيرنزفي 16 كانون الأول الماضي حين نقلت عنه صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية تصريحات جاء فيها: إن «الروس يدرسون كيفية تقديم المساعدة الفنية والتكنواوجية لإيران بعد أن استعانوا بمسيراتها في الحرب الجارية في أوكرانيا وهذا التعاون العسكري يشكل خطراً حقيقياً على الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة».

بالمقابل حذر رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق وأحد مديري «معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي» الآن الجنرال تامير هايمان «من خطر التعاون الروسي – الإيراني على إسرائيل وتغيير ميزان القوى الإقليمي في المنطقة لمصلحتها ومصلحة سورية».

وفي الاتجاه ذاته ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» في التاريخ نفسه أن روسيا تدرب طيارين إيرانيين حربيين على طائرات سوخوي 35 بهدف زيادة قدراتها القتالية الجوية والدفاعية.

وفي 12 كانون الأول 2022 ذكرت كل من هيئة الإذاعة البريطانية «بي- بي- سي» ووكالة «إن بي سي الأميركية» أن الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي قال: إن «شراكة كاملة إيرانية – روسية في المجال الدفاعي أصبحت أمراً واقعاً وأن هذا ما يزيد من القلق الأمني الأميركي-الغربي وخاصة أمن إسرائيل»، ووصف هذه الشراكة بأنها: «تعد تحولاً في نظام القوى العالمي من ناحية عسكرية وخاصة لأن إيران أصبحت جزءاً من الكتلة الروسية – الصينية العالمية المعادية»، وأبدى المحللون العسكريون في الكيان الإسرائيلي خوف الحكومة الإسرائيلية من المعلومات الاستخباراتية التي يمكن لروسيا أن تزود بها إيران من منطلق هذا التعاون، ووصف الجنرال الإسرائيلي هايمان تطورات التعاون العسكري الروسي الإيراني بـ«المنعطف الكبير الذي يحمل تأثيراً هائلاً على إسرائيل في أثناء انشغال واشنطن بأولوية اهتمامها بمجابهة الصين ما دامت أوروبا ودول الأطلسي منشغلة ضد روسيا، وهذا الظرف يحمل لإسرائيل وضعاً ليس في مصلحتها أمام إيران التي ستتزايد قوتها وخاصة في تعزيز قوة سورية التي تدرك موسكو أهميتها الإستراتيجية لها في المتوسط أكثر من أي وقت مضى.

وأمام التطورات المتلاحقة في الحرب الأميركية الغربية على روسيا في أوكرانيا، فاجأ نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديميتري ميدفيديف أول من أمس أوروبا كلها حين أعلن أن: هدية موسكو لأوروبا في رأس السنة هي إرسال فرقاطة الأدميرال غورشكوف حاملة الصواريخ «تسيركون» الفرط الصوتية قرب شواطئ الحلف الأطلسي التي يصل مداها لألف كيلومتراً وأنها أصبحت قرب 100 ميل من شواطئ دول الأطلسي».

وزارة الخارجية الروسية أكدت في كانون الأول الماضي 2022 أن «تكثيف التعاون بين دولة مولدوفا ودول الأطلسي في المجالين العسكري والتقني لن يقوض إلا أمن مولدوفا»، ويبدو أن القرار بتحريك روسيا للفرقاطة غورشكوف الإستراتيجية جاء رداً على توسيع حلف الأطلسي للدعم العسكري لدول قريبة في حدودها مع روسيا.

وفي ظل استمرار هذا الانتشار العسكري لجبهات الحرب الأميركية – الغربية ضد روسيا، سيكون من الطبيعي تكثيف التعاون العسكري بين موسكو وحلفائها في الشرق الأوسط وأهمهما إيران وسورية، وهذا ما سيساهم دون أدنى شك في تزايد قدرة محور المقاومة وتغيير ميزان القوى الإقليمي في المنطقة لمصلحته في أي مواجهة أو عدوان تعده إسرائيل في المنطقة، فإذا كانت الأسلحة الروسية تثبت قدرتها على تدمير أسلحة الغرب في ميدان الحرب في أوكرانيا، كما يرى الجميع، فإن الأسلحة الإسرائيلية نفسها لن يكون بمقدورها تغيير ميزان القوى في المنطقة لأنها أميركية، ناهيك عن أن الظروف التي تواجهها إسرائيل الآن من جبهات المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة والخوف الذي تولده قدرات محور المقاومة المتحالف مع روسيا سوف يؤدي دون شك إلى نقص حاد في القوة البشرية الحربية الإسرائيلية بعد انحسار الهجرة اليهودية في السنوات العشرين الماضية وتزايد نسبة الهجرة المعاكسة من الكيان الإسرائيلي إلى أوروبا وأميركا بموجب الأرقام الإسرائيلية نفسها.

لم يشهد الكيان الإسرائيلي في تاريخ حروبه أو في أي حرب مقبلة، أنه يحتاج لأكثر من نصف مليون جندي، ولا يجد إمكانية لوجود هذا العدد، بعد مغادرة أكثر من مليونين ونصف المليون من الإسرائيليين إلى أوطانهم الأصلية في أوروبا وأميركا في العقدين الماضيين، ففي أي حرب مقبلة ستواجه إسرائيل جبهات حرب خارجية من الشمال وأخرى داخلية في وسطها وجنوبها، فكم من الجنود تحتاج؟ وعدد المستوطنين اليهود لا يزيد على ستة ملايين ونصف المليون، و15 بالمئة إلى 20 بالمئة منهم لا يخدمون في الجيش لأسبابهم الدينية السلفية، على حين يوجد داخل فلسطين سبعة ملايين فلسطيني قادرون على التحول إلى جبهات مقاومة داخلية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن