قضايا وآراء

العُبُور من الحرب

| مازن جبور

تمثل التحركات على خط حل الأزمة السورية، والتي تطورت من إعادة ترتيب للعلاقة مع تركيا إلى انخراط عربي في الملف، مؤشراً إلى الانطلاق بخطة حل، لأزمة أنتجت حرباً عصفت بسورية منذ عام 2011 وحتى اللحظة الراهنة، تركت تمزقات في بنية الدولة السورية جغرافياً وديموغرافياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، ومن هنا يمثل العُبُور لحظة تاريخية مفصلية، واللحظة هنا معنى مجازي للإشارة إلى التحول، ولكنها بالقياس الزمني قد تطول وتعادل الفترة الزمنية للحرب، هذه اللحظة إذا ما صدقت، تطرح تساؤلات كبيرة أولها، إلى أين العُبُور؟ ومع من؟

قد لا يعني العُبُور هنا التحول من حالة الحرب إلى حالة السلام، بل الاستمرار بالحرب، الحرب على العقوبات الاقتصادية الأحادية، الحرب على التنظيمات الإرهابية، والجهات ذات النزعات الانفصالية، والخارجين عن القانون، ولاحقاً الحرب على الفساد وعلى كل مفرزات الأزمة السلبية، والصراع القانوني الدولي لإخراج القوات الأجنبية غير الشرعية من الأرض السوية، ومن هنا، فإن العُبُور يمثل تحولاً في شكل الحرب وتركيزاً لجهود الأطراف الفاعلين نحو أهداف أخرى، على اعتبار أنَّ أخطاراً محدقة قد زالت، وأن تحالفات جديدة ستقام.

بدت ملامح الانتقال إلى مرحلة العُبُور تظهر مع المساعي التركية للتقرب من الدولة السورية بعد إعلان أنقرة استعدادها للتغيير في سياساتها العدوانية تجاه سورية، الأمر الذي عملت عليه روسيا ودعمته من بوابة دورها الفاعل في الملف السوري، وعلاقاتها الوطيدة معهما، وعلى اعتبار أنه مطلب روسي وحاجة تركية وسورية، الأمر الذي تلقفته دمشق من بوابة مصالح الدولة السورية العليا، مشترطة شروطها التي تضمن الحفاظ على وحدتها وسيادتها واستقلالها، من قبيل انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، ووقف دعم التنظيمات الإرهابية، وأبدت أنقرة مراوغة في البداية لتلتزم لاحقاً بضمانة روسية، فجاء اجتماع وزراء دفاع ورؤساء الاستخبارات لكل من سورية وروسيا وتركيا، في موسكو، ومثل أولى الخطوات العملية باتجاه العُبُور.

تبع الخطوة الأولى إلى العُبُور، التحرك العربي في الملف السوري، من خلال زيارة وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة إلى دمشق، وسط أنباء عن تشجيعه للحوار مع تركيا، وأن الخطوة اللاحقة لاجتماع وزراء خارجية سورية وتركيا وروسيا سيكون في الإمارات بحضور وزير الخارجية الإماراتي.

من باب التحليل، فقد يشهد الاجتماع المنتظر خلال أيام، حضوراً سعودياً مباشراً، وذلك بناء على عدة مؤشرات، وهي:

أولاً: ترددت أنباء كثيرة خلال العام الفائت، عن تواصل سوري سعودي، وهو ما كشف عنه وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد، إذ أكد وجود تواصل سوري مع الدول العربية كافة باستثناء قطر، وكان آخرها ما تردد إعلامياً عن زيارة مسؤول استخباراتي سوري رفيع إلى المملكة، وذلك قبيل اجتماع موسكو.

ثانياً: التنسيق الإماراتي السعودي في ملفات المنطقة وبشكل خاص الملف السوري، حيث ذكرت وسائل الإعلام الإماراتية أن وزير خارجية بلادها، سلم رسالة خطية إلى نظيره السعودي في اليوم التالي لزيارته دمشق.

ثالثاً: تمثل الجغرافيا السورية حاجزاً أو معبراً للاقتصاد الخليجي الطامح إلى بناء نفسه دون الاعتماد على عائداته النفطية، وهو منخرط في اتفاقات تجارية ضخمة مع أنقرة، الأمر الذي يمثل حاجة لحل الملف السوري بأسرع وقت، لعبور البضائع التركية إلى دول الخليج.

إن كلاً من الإمارات العربية المتحدة والسعودية ومصر والأردن، على درجة عالية من التنسيق فيما يخص الملف السوري، ولا بد أن التحرك الإماراتي، متفق عليه قبل الدول الأربع.

يبقى موقف واشنطن، غير واضح بدقة حتى الآن من كل ما يجري، إلا أنه يمكن استقراؤه من طبيعة العلاقة بين أميركا وكل من الرياض والقاهرة وأبو ظبي وعمّان، إذ لا يمكن لتلك العواصم أن تتجاوز الموقف الأميركي، بل لا بد من التنسيق معها، وإن الانفتاح على دمشق قد يكون بموافقة أميركية على مضض، والهدف منه، خلق دور عربي مواز للدور التركي الروسي المتنامي في الملف السوري، وخصوصاً أن واشنطن تمتلك الكثير من أدوات التعطيل لحل الأزمة السورية، وفي مقدمتها حضورها العسكري غير الشرعي على الأراضي السورية، ودعمها للتنظيمات الكردية ذات النزعات الانفصالية، وعقوباتها الاقتصادية أحادية الجانب المتمثلة بكل من قانون قيصر وقانون الكبتاغون، كما أن موقف متزعم جبهة النصرة الإرهابية أبو محمد الجولاني الرافض للتقارب السوري التركي، مريب، ويحمل احتمالاً أنه بدفع أميركي.

انطلاقاً مما سبق، يبدو أن العبور الذي تسعى إليه القيادة السياسية السورية، هو عبور نحو مستقبل آمن ومشرق، وبناء وطن مستقر وذات سيادة، ولتحقيق ذلك يجب أن يتنبه السوريون إلى أهمية أن يعبروا جميعاً ومعاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن