اقتصاد

جرامين_ يونس يجيب: هل للفقراء «بنك»!؟

| د. سعـد بساطـة

يضع عـلم الاقتصاد ستة شروط أساسية للبدء بأي مشروع – إنتاجي أو خدمي- ويحلو للعلماء توصيفها في 6 كلمات بداياتها حرف (M) وهي: رأس المال (Money), اليد العـاملة (Manpower), المعـدات (Machinery), المواد الأولية (Material), الإدارة (Management), وأخيراً التسويق (Marketing).

وليس عـن عـبث تم وضع المال في البداية, فهو المحرك للتعـاقد مع خبراء وعـمال وتأهيلهم, ولشراء الآليات, ولابتياع المواد, وللشروع بحملات تسويق.. ولكن, المشروعات المتوسطة والصغـيرة (وهي تشكـّل العـمود الفقري للأنشطة الخدمية والإنتاجية في بلادنا) تعـاني من مشكلات السيولة, وهذا ما اكتشفه كثيرون, ووقفوا لا يحركون ساكناً, ولكن هنا قام اقتصادي يدعـى « محمد يونس» من بلد آسيوي فقير يدعـى بنغلاديش بابتداع فكرة للحل.. ولكن من هو يونس هذا!؟

ولد محمد يونس عام 1940 بمدينة شيتاجونج، عام 1965 درس الدكتوراه بأميركا، عاد لبلده بنغلاديش الحديثة الاستقلال عـن باكستان 1972 ليصبح رئيساً لقسم الاقتصاد بالجامعة، وبسبب تفاقم أوضاع فقراء بلاده، مضى يحاول إقناع البنوك بوضع نظام لإقراضهم من دون ضمانات، مما دعاهم للسخرية من أفكاره، زاعمين أن الفقراء ليسوا أهلاً للإقراض، لكنه صمم عـلى إنشاء بنك جرامين عام 1979 بنظام القروض المتناهية الصغر التي تساعدهم على القيام بأعمال بسيطة تدر عليهم دخلاً معقولاً وقد حصل على جائزة نوبل عام 2006.

مشكلة البنوك أنها تمنح القرض للمليء الذي لا يحتاجه, أما من يحتاجه فعـلاً فتحجبه عـنه, كمن يناولك مظلة في يوم مشمس, ويحجبها في الأوقات الممطرة!

أحدهم احتاج إلى مبلغ مالي للبدء بمشروعـه, وبناءً عـلى نصيحة زوجته جال عـلى جيرانه, في المساء عـاد خاوي الوفاض, سألته بقلق «هل حصلت عـلى النقود؟», أجاب: (( لا, نصف الموجودين لا يعـرفونني كفاية, والمشكلة في النصف الآخر: فهم «يعـرفونني»))!

خلال زيارات يونس للأسر الفقيرة بالريف، اكتشف أن القروض الصغيرة يمكن أن تحدث فرقاً لها، حيث وجد مجموعة من النساء يصنعـن من الخيزران أثاثاً معـتمدات على القروض التقليدية لشراء المواد، لذا فإن أرباحهن تذهب للمقرضين. ولم تكن البنوك التقليدية تريد أن توفر قروضاً صغيرة بفائدة معقولة للفقراء بسبب ارتفاع المخاطر الافتراضية، عـندها أقرض 27 دولاراً من أمواله الخاصة إلى 42 امرأة قروية.

لاحقاً وبعـد مفاوضات عـسيرة، عرض «يونس» على إدارة البنك أن يضمن هو شخصياً قروض هؤلاء الفقراء، واستغرق الأمر 6 أشهر قبل أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق. ولكن تم تقديم القروض إلى «يونس»، حيث طلب منه البنك أن يعمل كوسيط، وأن يقوم هو بتقديم الأوراق اللازمة لكل قرض لأنهم لا يريدون التعامل مع الفقراء مباشرة.

عام 1976، حصل يونس أخيراً على قرض حكومي من بنك جاناتا لإقراض الفقراء في قرية جوربا، وواصلت المؤسسة العمل، وتأمين قروض من البنوك الأخرى لمشروعاتها، حيث وصل عدد المقترضين إلى (28.000) بحلول عام 1982, عندها بدأ المشروع التجريبي العملي لبنك متكامل لفقراء بنغلاديش، وتمت تسميته بنك جرامين/القرية.

واجه يونس وزملاؤه المشكلات من حركات يسارية عنيفة ومن رجال دين محافظين قالوا إن النساء لن يدفنّ على الطريقة الإسلامية إذا اقترضن المال من البنوك. وبحلول 2007، أقرض جرامين 6.38 مليارات دولار إلى 7.4 ملايين مقترض، ولضمان السداد، يستخدم البنك نظام «مجموعات التضامن» لدعم جهود بعضهم بعضاً في النهوض بالاقتصادي الذاتي. حصلَ يونس على جائزة نوبل تقديراً لجهوده بإيجاد فرصٍ للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

أخيراً مع ابتسامة, يقول أحدهم: «إذا أخذت قرضاً من بنك, فستبقى في ضائقة 30 سنة تسدده, في حين لو سرقت كل أموال البنك, لحكم عليك بالسجن فقط 10 سنوات !»…

بالختام تساؤل: هل يمكن لتجربة «بنك الفقراء» أن تنجح في بلدنـا؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن