قضايا وآراء

حين يصبح علم فلسطين سلاحاً

| تحسين الحلبي

لا أحد يشك أن عدداً من المؤسسات المختصة بالأبحاث السياسية والاجتماعية أو الإعلامية في الولايات المتحدة ودول أوروبية وغيرها تقوم بين فترة وأخرى باستطلاعات رأي الجمهور تجاه بعض المسائل التي تتعلق بدور الحكومة أو سياستها، وتعلن عن نتائج هذه الاستطلاعات لتبين موقف الشعب أو الجمهور منها بشكل تقريبي، وتعرض النسب المئوية لمختلف المواقف والردود عند جميع طبقات وفئات المجتمع لكي تقدم استبياناً علمياً شاملاً في الوقت نفسه.

ومع وجود مؤسسات مستقلة أو شبه مستقلة متخصصة باستطلاع الرأي، ويمكن تكليفها بإجراء مثل هذه الاستبيانات مقابل أرباح مالية تحصل عليها، عادة ما يجري في الدول الأوروبية قبيل الانتخابات تكليف بعض الأحزاب الكبيرة لمؤسسات خاصة من هذا القبيل بمهمة معرفة مدى شعبية هذا الحزب أو ذاك وبمدى قبول سياسته عند فئات المجتمع.

وإذا كان معظم العالم العربي لا يبدي اهتماماً بهذه الطريقة أو المنهج لمعرفة مدى توافق الجمهور مع سياسته أو قد لا يحتاج لها، إلا أن معرفة رأي الجمهور العربي في أي دولة عادة ما يظهر بوضوح من خلال عدد من الحقائق التي تفرض نفسها ونتائجها بشكل علني وعفوي وشامل وأدق في حقيقته، فحين وقعت حكومة السادات اتفاق التطبيع مع إسرائيل عام 1979، تبين منذ ذلك الوقت حتى الآن وطوال أكثر من أربعين عاماً أن الشعب المصري لم يقبل التطبيع وما زال على موقفه ورأيه دون تغيير وبنسبة جماعية شاملة قل نظيرها بين شعوب العالم، وهذا بالطبع ما أكدته كل الشعوب العربية التي وقعت حكوماتها على اتفاقات تسويات مع تل أبيب، وهذا يبين أن لدينا طرقاً أكثر علمية وحقيقية في استبيان موقف شعوبنا في موضوع القضية الفلسطينية وفي الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني ودعم استعادته لحقوقه العادلة.

هذا ما جسده الشعب العربي المغربي بقيامه لأفضل عمليات استطلاع الرأي المباشر والعلني والشامل، دونما حاجة لمؤسسات مختصة أو طرف خارجي، ففرضت نتائج استبيانه حين رفع فريق كرة القدم المغربي أمام العالم كله علم فلسطين في المونديال الدولي، وهل هناك منبر أو استطلاع يضاهي هذا الاستطلاع العرمرم، وبخاصة حين شاركت كل الجماهير العربية برفع أعلام فلسطين مع أعلام بلادها والذي لوح به ورفعه عالياً الفريق المغربي العروبي في مشهد تاريخي عفوي من القلب، وبردة الفعل العروبية الطبيعية المتجذرة في أعماق هذه الأمة تجاه فلسطين وبغض النظر عمن يحكم المغرب، فلا حاجة هنا لدور مؤسسات استطلاع الرأي التي تجري استطلاعاتها على شرائح وتعلن عن نتائج نسبية تعترف فيها بقابلية الخطأ بنسبة من 7 بالمئة إلى 10 بالمئة.

نتائج الاستطلاعات التي فرضها الفريق المغربي لا وجود فيها لنسبة 1 بالمئة ممن لا يقف داعماً مؤيداً للشعب الفلسطيني وحقوقه وهذه النتيجة تؤكد أن العربي حين تتوافر له فرصة حرة في أي فعالية أو ساحة دولية أو إقليمية يعتز بالتعبير عن مواقفه من دون تردد وبشكل صارخ واضح وبخاصة تجاه شقيقه الفلسطيني، ويعرف العالم الغربي كله أن الكيان الإسرائيلي تبنى في برلمانه «الكنيست» قانون معاقبة كل من يرفع العلم الفلسطيني في الأراضي المحتلة، في شوارعها وفي أثناء مسيرات الجمهور في كل مكان، وتعده مخالفاً لقوانينها، فهذا العلم أصبح سلاحاً داعماً لحقوق شعب فلسطين، فما بالك حين يرفع هذا العلم عرب في كل ساحات العالم بمناسبة فوز المغرب في مباراة كرة قدم، وقد أبلغت تل أبيب كل دول العالم أن رفع العلم يعد بموجب القانون الإسرائيلي مظهراً من مظاهر ما يسمى معاداة السامية، أي معاداة إسرائيل واليهود في العالم، وأضافت إلى قوانينها: إن كل من يستخدم عبارة الاحتلال الإسرائيلي يعد معادياً للسامية ومتنكراً لشرعية إسرائيل.

إن هذا العلم الفلسطيني الذي رفرف في أيدي الفريق المغربي وكل العرب، أرعب الإسرائيليين وبعث برسالة صارخة ساطعة بأن هذه الأمة لا تنسى جيلاً تلو آخر، قضاياها المركزية، ففريق المغرب هو الجيل الرابع بعد نكبة شعب فلسطين الذي سيظل علمه يذكره كل عربي بل كل مسلم وحر في هذا العالم بحقوق شعب فلسطين والعمل على استعادتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن