ثقافة وفن

«أحبابي ونور عيوني».. رفيق السبيعي ودعكم قبل ست سنوات … أطلق عليه القائد الخالد لقب «فنان الشعب» ومنحه الرئيس بشار الأسد وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة

| وائل العدس

ارتبط بالشعب والفن الشعبي، وهذا أتى من المونولوج الذي برع فيه، والهيئة التي ظهر فيها بزيه الشعبي ولهجته الشامية، والخال ذي الشعيرات الذي كان يضعه على خده، رمزاً للرجولة، وكان القبضاي الذي يمثل القيم المجتمعية والقوة والفروسية.

قبل ست سنوات رحل الفنان الكبير رفيق سبيعي عن عمر ناهز 86 تاركاً وراءه أعمالاً طبعت في ذاكرتنا، ومشاهد سكنت في مخيلتنا ليلحق برفاق دربه نهاد قلعي وناجي جبر وياسين بقوش وعمر حجو الذين سبقوه إلى دنيا الحق، ومودعاً شريكه دريد لحام، بعد أن أثرى الإذاعة والمسرح والتلفزيون والسينما بأعمال لا تنسى تعلق بها الناس، وحفظتها الأجيال.

أطلق عليه القائد الخالد حافظ الأسد لقب «فنان الشعب» في ثمانينيات القرن الماضي، ومنحه السيد الرئيس بشار الأسد وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة عام 2008.

عمر صغير

سبيعي شارك بعمر صغير في نوادي الكشافة، حيث أظهر مواهبه في الغناء والعزف والتمثيل، وتعود بداياته إلى أواخر أربعينيات القرن العشرين عندما بدأ بتقديم مقاطع كوميدية مرتجلة على مسارح دمشق، ثم انتقل إلى الغناء والتمثيل في الفرق الفنية، وساهم بتأسيس عدد من الفرق المسرحية الأولى بعد الاستقلال.

«أبو صياح»

صنع سبيعي شخصية «أبو صياح» الشهيرة صاحبة النخوة والمهابة والشهامة، بعد ظهوره في التلفزيون عبر مسلسل «مطعم السعادة» حيث استقى مفرداتها من المحيط الذي نشأ فيه بحي البزورية الدمشقي، فهو لم يؤدها يوماً على سبيل التمثيل، وإنما عاشها، ورنين لهجتها كان يتردد في ذهنه منذ الصغر.

وبدأت قصته مع «أبو صياح» كما يروي في إحدى مقابلاته: «أول مرة قدمتها عن طريق المصادفة، حين أراد الفنان أنور المرابط أن يتغيب عن أداء فصل كوميدي يلعب فيه دور العتّال في إحدى مسرحيات الراحل عبد اللطيف فتحي. كنت أعمل وقتها ملقماً في مسرحه، لم أنم ليلتها من الفرحة، واعتبرت هذا الدور نوعاً من الامتحان يمهد لي الطريق كممثل، استعرت الشروال وباقي الإكسسوارات، ففوجئ بي فتحي عندما رآني على المسرح، وجسدت الشخصية على طبيعتها كما تبدو في الحياة. وقتها، شاهد أدائي المرحوم حكمت محسن، وتنبأ لي بالنجومية منذ ذلك الحين».

كان ذلك أواخر خمسينيات القرن الماضي، في عمل مسرحي مقتبس عن مسرحية مصرية للكاتب أبو السعود الإبياري نقلها عبد اللطيف فتحي إلى الشامية، قدمت على أحد مسارح دمشق، وحضرها وقتها صباح قباني أول مدير للتلفزيون السوري، وبقيت في باله. وعندما تأسس التلفزيون عرفه إلى نهاد قلعي، والفنّان دريد لحام، وبدأت مسيرة «أبو صياح» التلفزيونية مع «غوار الطوشة» و«حسني البورظان».

على الخشبة

تعود بداياته كممثل ومغن ومونولجيست إلى أواخر أربعينيات القرن العشرين عندما بدأ بتقديم مقاطع كوميدية مرتجلة على مسارح دمشق، ثم انتقل إلى الغناء والتمثيل في الفرق الفنية، ومنها فرق علي العريس، وسعد الدين بقدونس، وعبد اللطيف فتحي، والبيروتي، ومحمد علي عبدو، وساهم بتأسيس عدد من الفرق المسرحية الأولى بعد الاستقلال، وبرز في شخصية القبضاي الدمشقي «أبو صياح» التي قدمها لأول مرة في عام 1953.

بعد سنوات قليلة على بداية عمله المسرحي أواخر الأربعينيات وتقديمه عدداً من الأدوار المرتجلة، لشخصيتي «أبو جميل» و«أبو رمزي»، كانت النقلة الفنية في عام 1956 مع تأسيس المسرح الحر الذي عمل فيه معظم رواد الحركة المسرحية السورية، حيث بدأ بتقديم مسرحيات كاملة إلى جانب فقرات غنائية اعتادت الفرق المسرحية تقديمها في ذلك الزمان، ومن المسرحيات الأولى التي شارك فيها: «بالمقلوب»، و«مرتي قمر صناعي»، و«طاسة الرعبة»، وشارك في مسرحية نالت شهرة ملحوظة في أواخر الخمسينيات هي مسرحية «صابر أفندي» 1958م من تأليف الراحل حكمت محسن. ‏

كما كان سبيعي من بين الفنانين السوريين المؤسسين للمسرح القومي في عام 1960، ومن أهم المسرحيات التي شارك فيها مع المسرح القومي «أبطال بلدنا» 1960، و«البورجوازي النبيل» 1962، و«الأشباح» 1962، «مدرسة الفضائح» 1963، و«الإخوة كارامازوف»، و«الاستثناء والقاعدة» 1964.

وبعد غياب سنوات عاد سبيعي إلى المسرح عام 1996 ليشارك في مسرحية «مات ثلاث مرات» بتوقيع المخرج حاتم علي، ثم في عام 2001 شارك في مسرحية «شو هالحكي» من إعداد وإخراج كل من سيف الدين السبيعي ونضال سيجري وجلال شموط عن نص لزكريا تامر.

حكواتي الفن

إذاعياً، بدأ الراحل عمله الإذاعي في خمسينيات القرن الماضي، وقدم خلال مسيرته الطويلة كممثل ومخرج مئات البرامج والمسلسلات الإذاعية، وكان أحد أبرز الأصوات الحاضرة في مسلسلات إذاعة دمشق، وبرامجها.

وسيبقى في الذاكرة طويلاً برنامجه الشهير «حكواتي الفن»، الذي روى فيه لأكثر من 12 عاماً بعضاً من أسرار الفن السوري والعربي وكواليسه وذكرياته.. وجملته الشهيرة فيه «أحبابي ونور عيوني» كان يرددها كل حلقة في مخاطبته لجمهوره.

وهو أول من قدم كتاب «حوادث دمشق اليومية» لـ«البديري الحلاق» الذي يؤرخ لأواخر فترة الاحتلال العثماني لبلاد الشام، ولفت أنظار الدراميين له فاستوحوا منه فيما بعد قصص العديد مما عرف لاحقاً بأعمال البيئة الشامية.

الشاشة الصغيرة

أعمال رفيق سبيعي في التلفزيون بدأت رسمياً مع مسلسل «مطعم السعادة» مع نهاد قلعي ودريد لحام، ثم في «مقالب غوار» و«حمام الهنا»، وكانت شخصية «أبو صياح» أيضاً صاحب الحمام الذي يعمل فيه غوار وتدور فيه القصص والحكايات.

وبما يملكه من كاريزما «الزكرت الشامي» كان دور «الزعيم» في مسلسل «أيام شامية» عام 1992، فاتحة لتصدر أدوار الزعامة في معظم المسلسلات التي تنتمي إلى هذا النوع من الأعمال.

تواصلت أعماله فتألق في مسلسلات حفرت عميقاً في الذاكرة، منها «الخشخاش» 1991، و«دمشق يا بسمة الحزن» 1993، و«العبابيد» 1996، و«مبروك» 2001، و«صقر قريش» 2002»، و«مرزوق على جميع الجبهات» 2004، و«ليالي الصالحية» 2004، و«الحصرم الشامي» 2007، و«أهل الراية» 2008.

واستمرت مسيرته مع الدراما التلفزيونية، سنوات طويلة، قدم خلالها عشرات الأدوار، كان آخرها مشاركته بمسلسل «حرائر» عام 2015، تحت إدارة المخرج باسل الخطيب.

ولطالما حاول الراحل تقديم أدوار يؤكد فيها حضوره كممثل بعيداً عن صورة «أبو صياح»، وتمكن من ذلك بنجاح عبر تقديمه شخصية «طوطح» اليهودي في مسلسل «طالع الفضة» من إخراج نجله سيف الدين الذي اعتبر أن والده أعاد اكتشاف نفسه من خلالها على مشارف الثمانين عاماً، وبدا الأب متفقاً مع ابنه في وجهة نظره، حينما قال عن هذه الشخصية: «(طوطح) أبرز طاقة بداخلي ربما لم تكن مرئية للجمهور، وأثبت للمشاهدين أن لدي قدرات كممثل تفوق ما شاهدوه في أدائي من قبل، ولطالما كان هذا هدفي طوال حياتي.

الفن السابع

سينمائياً، قدم سبيعي ما يزيد على الخمسين فيلماً، أحدثها «سوريون» عام 2015، ويحمل أيضاً توقيع المخرج باسل الخطيب، حيث عاد إلى الشاشة الكبيرة بعد غياب 29 عاماً.

ومن أبرز مشاركاته السينمائية، دوراه في فيلمي السيدة فيروز الشهيرين «سفربرلك» و«بنت الحارس» عامي 1966 و1971.

ومن أفلامه أيضاً «غرام في اسطنبول» 1967، و«جسر الأشرار»، و«رحلة حب» 1972، و«النصابين الخمسة» 1972، و«شروال وميني جوب» 1973، و«هاوي مشاكل» 1973، و«نساء للشتاء» 1974، و«غرام المهرج» 1976، و«القادمون من البحار» 1977، و«زواج على الطريقة المحلية» 1977، و«شيطان الجزيرة» 1979، و«أحلام المدينة» 1983، و«الشمس في يوم غائم» 1985، و«الليل» 1992، و«صندوق الدنيا» 2002، و«الليل الطويل» 2009.

المونولوج

يقول الناقد الموسيقي أحمد بوبس: «رفيق سبيعي هو بحق رائد الأغنية الناقدة في النصف الثاني من القرن العشرين. وهو بذلك امتداد للفنان سلامة الأغواني، مع فرق جلي وهو أن الأخير كان يقدم أغنياته في قالب المونولوج، أما الفنان سبيعي فقد اختار قالب الطقطوقة واللون الشعبي لأغنياته.. وقدمها بشخصية «أبو صياح» التي تمثل السلوك القويم».

في عام 1962 ظهر سبيعي في برنامج «نهوند» التمثيلي بشخصية شعبية «سعدو حنّي كفك»، وقدم أغنية بعنوان «حبك بقلبي دوم ساكن مطرحو»، كما شارك عبر أثير إذاعة دمشق في برنامج للأغاني الضاحكة بشخصية «أبو صياح» ليقدم أغنية «داعيكم أبو صياح معدل ع التمام».

في عام 1963 قدّم أغنيته الشهيرة «يا ولد لفلك شال» في برنامج «7×7» ثم توالت الأغنيات التي نالت حظها من الشهرة مثل «تمام تمام هدا الكلام»، و«شروال أبو صياح»، و«لا تدور ع المال»، و«حبوباتي التلموذات»، و«شيش بيش»، و«قعود تحبك»، و«لحب تلت لوان»، و«الخنافس» وغيرها.

ولم يتخل سبيعي طوال الوقت عن فن المونولوج الذي واكب من خلاله تطورات حياة الناس، ودخول الأزياء والموضات إلى يوميات الشبان والشابات، وكانت الكلمات الساخرة هي المفتاح كما في أغنية «شرم برم كعب الفنجان» التي تناول فيها الشباب.

ومن الأغنيات التي أداها بشكل خاص للسينما أغنية «ليش هيك صار معنا» في فيلم «شروال وميني جوب»، وأغنية «الأوتو ستوب» في فيلم «نساء للشتاء».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن