قضايا وآراء

أميركا وعار مجزرة الفلوجة

| أحمد ضيف الله

استبيحت مدينة الفلوجة على يد قوات مشاة البحرية الأميركية «المارينز» في الـ4 من نيسان 2004، في هجوم همجي استمر حتى الأول من أيار 2004، انتقاماً لمقتل أربعة مرتزقة من قوات شركة «بلاك ووتر» الأمنية في الـ31 من آذار 2004 التي كانت تقاتل مع قوات الاحتلال الأميركي في العراق على أيدي أهالي مدينة الفلوجة، الذين علقت جثثهم بعد سحلها في الشوارع على جسر فوق نهر الفرات من شباب وفتية غاضبين، وقد توعد الحاكم المدني الأميركي للعراق بول بريمر بأن ما فعله أهالي مدينة الفلوجة «لن تمر من دون عقاب».

مدينة الفلوجة الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها ثلاثمئة ألف نسمة، والتي تقع على نهر الفرات إلى الغرب من بغداد بنحو 60 كيلومتراً. حاول المارينز الأميركي دخولها، لكنه فشل، بعد أن تكبد خسائر فادحة نتيجة المقاومة البطولية من المدافعين عن المدينة، حيث انتهى الهجوم بانسحاب قوات الاحتلال الأميركي من محيط المدينة لعدم التمكن من دخولها.

بعد نحو ستة أشهر حشد الأميركيون قوات ضخمة من جيشهم والجيش البريطاني وقوات من البيشمركة الكردية إضافة إلى أعداد من الجيش العراقي المشكل حديثاً بعد حل الجيش العراقي السابق، وبتفويض من رئيس الحكومة العراقية المؤقتة القائد العام للقوات المسلحة إياد علاوي آنذاك، شُن هجوم ضخم على المدينة في عملية سميت «الفجر» في الـ7 من تشرين الثاني 2004، وتمكنت تلك الجيوش من دخول المدينة في الـ16 من تشرين الثاني 2004 بعد تدميرها ملحقين خسائر بشرية ومادية فادحة بسكان المدينة وممتلكاتهم.

معركة تدمير مدينة الفلوجة، صنفت كأكبر معركة للقوات الأميركية الحربية بالعراق وأكثرها دموية ووحشية، لارتكابها أبشع مذبحة عرفها العراق خلال الاحتلال الأميركي له، فقد كانت الأوامر الموجهة لجنود قوات الاحتلال المهاجمة تتلخص بجملة واحدة «اقتلوا كل شيء يتحرك».

في معركة الخزي هذه، استخدم الأميركيون أحدث ما لديهم من أسلحة فتاكة ومحرمة دولياً، حيث أدى القصف الجوي والصاروخي المستمر إلى تهديم المنازل فوق رؤوس ساكنيها، ما تسبب في قتل المئات من المدنيين العزل من الشيوخ والنساء والأطفال، كما قامت القوات الأميركية لدى دخولها المدينة بإحراق وتدمير ما تبقى من المنازل والمنشآت في الأحياء التي قاومت الغزو ببسالة، تاركة الجرحى من دون تقديم أي إسعافات أولية لهم. وبالنتيجة دمرت المدينة بنسبة تزيد على الـ70 بالمئة من بيوتها ومنشآتها، وتلوث ترابها وبيئتها بأعلى معدلات اليورانيوم المنضب والفسفور الأبيض، ما أدى لاحقاً إلى ارتفاع ملحوظ في مستويات الإجهاض والتشوهات الخلقية بين الأطفال حديثي الولادة، وبمعدلات الإصابة بالسرطان، ما زالت آثارها ماثلة حتى اليوم.

معركتا الفلوجة الأولى والثاني، كبدتا القوات الأميركية الغازية، أكثر من 151 قتيلاً، وأكثر من 1000 جريح أغلبهم كانت إصاباتهم كبيرة.

في الـ27 من كانون الأول 2022، قال وزير البحرية الأميركي كارلوس ديل تورو في مؤتمرٍ صحفي: «إنه لشرف كبير إحياء ذكرى مشاة البحرية والجنود وشركاء التحالف الذين قاتلوا ببسالة وأولئك الذين ضحوا بأرواحهم خلال معركتي الفلوجة»، معلناً أن «السفينة «يو إس إس فلوجة» ستحيي ذكرى ما أصبح يعرف باسم معركتي الفلوجة الأولى والثانية».

القرار المهين بإطلاق تسمية «يو إس إس فلوجة»، على حاملة طائرات عملاقة بكلفة 2,4 مليار دولار، هو احتفال بأقذر وأبشع معارك الولايات المتحدة الأميركية دموية وقسوة في العراق، وتخليداً لجريمة حرب ارتكبتها القوات الأميركية الغازية بحق مدينة الفلوجة وأهلها الآمنين، لتبقى بشاعة الجريمة المرتكبة، وما خلفته من آثار دامية حاضرة مدى الدهر، مخلدة ذكرى مئات الشهداء العراقيين الذين قاتلوا واستبسلوا في الدفاع عن مدينتهم في مواجهة أبشع احتلال، ملحقين العار والهزيمة بالدولة الغازية.

الأميركيون لا يعرفون الاعتذار، أو يفكرون بتقديم أي تعويض عن جرائمهم المرتكبة، فما فعلوه في فيتنام خلال عقدي الستينيات والسبعينيات، وقيام طائراتهم بمسح مدن وقرى فيتنامية بأكملها من الخريطة، كان سبباً في قتل وإصابة مئات الآلاف من الفيتناميين، وإصابة من نجا بالأمراض السرطانية نتيجة استخدامهم للأسلحة الكيماوية الفتاكة في قصف مدنهم، وما ألحقوه بشعوب أخرى تعرضت للهمجية الأميركية، لم يتلقوا حتى اليوم أي اعتذار أو تعويض من الولايات المتحدة الأميركية.

الولايات المتحدة الأميركية من المستحيل أن تشعر بالعار أو بالخجل أو الأسف من الجرائم البشعة التي ارتكبتها بحق الشعوب، لأنها كانت على الدوام راعية قاطعي الرؤوس وآكلي الأكباد.

معركة الفلوجة كانت وستظل محفورة في ذاكرة كل عراقي، مذكرة بأعداء العراق الحقيقيين، وبالذين لا نخوة لهم ولا إحساس بالتنكر لما كان قد جرى، ممن لا يرون موجباً لإخراج القوات الأميركية الغازية من العراق! متجاهلين المذابح التي جرت بحق أهلهم!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن