ثقافة وفن

التربية في مواجهة العولمة … انتقال الأفكار أخضع المجتمعات للتخلي عن القيم المحافظة إلى قيم جديدة

| مصعب أيوب

إن العصر الحالي هو عصر التحولات ويمكننا القول: إن مساره تغير بالكامل وقد اتجه من الالتزام والضوابط إلى الانفتاح والعشوائية، وإذا ما أمعنا النظر في واقع الحال الاجتماعي والثقافي نجد أن الوضع تغير، وميولات الشباب تبدلت كما اهتماماتهم، وأن الفوضى توغلت في كل مكان والتقليد العشوائي غزا المجتمعات بشكل كبير فتغيرت طريقة اللباس والعيش وتبدلت الثقافات وأصبح هناك تداخلات عدة.

في الكتاب الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب تحت عنوان: (التربية في مواجهة تحديات العولمة عند الشباب) للكاتب د. جبرائيل ميخائيل بشارة يطلعنا على أهم المشكلات التي تتعرض لها فئة الشباب، لكونها الفئة الأكثر أهمية وحساسية وفاعلية في المجتمع، فقد تنوعت وتشكلت مسببات التحول إلى عالم جديد مختلف عن سابقه، وفي مقدمة ذلك التقدم التكنولوجي والتطور التقني، فقد تم توظيف هذه التطورات في طرق سلبية عدة دون الاستفادة من منافعها المختلفة وجوانبها الجوهرية.

تحديات العصر

يبين لنا الكاتب أن الشباب فئة مهمة لا يمكن أن ننكر الدور الأساسي والفاعل الذي تلعبه، وهناك نخبة من المهتمين في الشأن التعليمي وأعداد الشباب منقسمون في سجالات وصراعات بين مؤيد للثقافة التي نشأ في كنفها والمحافظ على القيم والاتزان والثبات وبين أولائك الذين يتطلعون إلى التغيير والتقليد واستجرار ثقافة جديدة مغايرة للواقع، فلم تعد اليوم المدرسة والأسرة مصدر المعرفة فقط، كما أن التطور أدى إلى ظهور أساليب جديدة لدى المتعلم والمعلم، وازداد تأثير وسائل الإعلام وتم طرح قيم جديدة، وكذلك نجد عزوف الشباب عن الشأن السياسي والانخراط في العملية السياسية في ظل وجود شبكة الإنترنت والفضائيات الترفيهية.

إن العولمة وسرعة انتقال الأفكار أخضعت المجتمعات إلى الانتقال من القيم المحافظة إلى قيم جديدة غير التي كان عليها أجدادنا، وحسب ما يعرض لنا الكاتب بشارة أن ما يعيشه الشباب اليوم هو تيه ولا يمكن للشباب صناعة مستقبل الوطن ما دام منخرطاً هكذا في الهواتف والحواسيب، ففي جملة التطور التكنولوجي الحاصل ومن بعض صور آثاره السلبية قلة تواصل الأفراد وجها لوجه بشكل واقعي والاكتفاء بالتواصل الشبكي من خلال شبكات التواصل الاجتماعي.

مكونات أساسية للقيم يعرضها الكاتب لنا أهمها المعرفة والوجدان والأداء والمهارة، على حين تتنوع أساليب القيم بين روحي وعلمي واقتصادي وسياسي واجتماعي، كما يؤكد ضرورة الذهاب بكوكبة الشباب إلى عالم التقدم التقني بما يضمن المحافظة على الالتزام والقيم المتزنة وللتربية الدور الأهم في ذلك.

التربية في الإعداد

من المعروف أن تكوين شخصية الإنسان أو توجيهه على نحو معين ليس بالأمر السهل، وهو الذي تقوم به التربية صاحبة الفضل الأكبر في تنشئة جيل مثقف واعٍ ملم بالتطورات والتغيرات الحاصلة على الساحة بما لا يتنافى مع قيم وعادات المجتمع، فيقع على عاتقها مهمة تعليم الشباب لتحمل المسؤولية والاعتزاز بالمواطنة والغوص في بحر الواجبات والالتزامات والحقوق وما له، وما عليه وتعليمه مهارة الإدارة الذاتية وكذلك القدرة على العمل الجماعي ضمن مجموعات يملك أفرادها مهارات مختلفة وثقافة متنوعة والاستزادة من الثقافات الأخرى بما يخدم المصلحة العامة، ولتحقيق ذلك كله لا بد من الوصول للتعليم الحديث المتجدد وتسخير التكنولوجيا لخدمة ذلك في سبيل نماء المجتمع وتطوره.

إستراتيجيات مهمة

في صفحات الكتاب الـ112 نطلع على خطط التربية في مواجهة التحديات التي تتعرض لجيل الشباب، وحيث لا بد من وضع إستراتيجيات تنظم العمل التربوي في المؤسسات التعليمية وضرورة كون المعلم منتظماً وأميناً وسيطاً في مهنته بين المتعلم والمعرفة، ولا بد من أن يكون مرشداً تربوياً، ويؤكد القيم الوطنية والإنسانية وأن يعرف المتعلم بالمزايا الايجابية للتكنولوجيا، ولا بد له كذلك من ثقل مهارات المتعلمين وصهرها في بوتقة تثمر بذارها، فيجب على المعلم تنمية روح التعاون والمشاركة لدى الشباب، كما يشير الكاتب إلى ضرورة تعزيز التسامح وخلق نوع من الحوار الإيجابي وإعداد الشباب ليس فقط للعيش ضمن حدود الوطن، وإنما تأهيله للمواطنة العالمية وإبراز دور الآخر واحترام حقوق الإنسان وتجاوز الصراعات بالعدل والمساواة والتعاون، ولا ننسى أيضاً ضرورة تنمية الوعي البيئي لدى فئة الشباب، فإن لم تكن البيئة نقية سليمة أثر ذلك بشكل سلبي في الوطن والمواطن ولا بد هنا من التعريف بدور البيئة في رفع وتيرة نجاح المجتمع.

فما الذي يمنع من أن نرى شباباً متحمساً مخلصاً يسعى للقيام بعمل ثقافي أو اجتماعي مهم كتأسيس مكتبة ثقافية أو صندوق تعاون اجتماعي أو ما إلى ذلك والتخلص من فوضى القيم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن