اقتصاد

سؤال: «هل تهذيب المدير يرفع الإنتاجية»؟

| د. سعد بساطة

قبل شهور حدثني ابني عـن مدير لشركة دولية عرف عنه التعالي والتكبر والتعامل السيئ واستخدام ألفاظ ساخرة مع موظفيه ومرؤوسيه. كان كثيراً ما يجمعـهم ويبدأ بكيل الشتائم للأشخاص غـير الموجودين لساعات. أضف إلى ذلك استخدامه لأسلوب التمثيل في تصنع الابتسامات والود أمام من يتعامل معهم والعمل على تدبير المكائد واختلاق أي مشكلات من وراء ظهورهم. وصادف أن التقى أحد موظفيه في مناسبة عامة وبدأ يشتكي قائلاً: «أشعر أن روحي مثقلة وجسدي منهك من كمية الطاقة السلبية التي يبثها هذا الرجل في اجتماعاته معنا.. لم أعد أستطيع أن أتحمل أكثر. من الصعب أن تعمل وتركز على مهامك وذهنك وبالك مشغول بهذا المدير الذي لا تأمن جانبه ولا تعرف من أين سيلدغك؟». باختصار كان وصف جو العـمل بأنـّه – سام-..!

لم تكن نهاية ذلك المدير سعيدة حيث انتهى الأمر بإفلاس شركته بعد مشكلات كثيرة مع موظفيه.

هذه القصة تسلط الضوء على الآثار الهدامة للتعامل غير المهذب وبخاصة تعامل المدراء مع مرؤوسيهم. وقبل أن نتعمق في الموضوع قد يطرح البعض سؤالاً عما الذي نعنيه بالتعامل غير المهذب؟ في الواقع يشكل ذلك الكثير من التصرفات والسلوكيات التي قد تشمل تعمد الإهانة والانتقاص من قدر الشخص المقابل أو النقد اللاذع والسخرية والهجوم غير المبرر في الاجتماعات أو أمام بقية الموظفين والمديرين وغيرها.

تستعرض الخبيرة د. كريستينا بوراث نتائج دراسة أجرتها على خريجي مدارس الأعمال حول أثر التعامل الفظ وغير المهذب على الأداء. ومن أهم نتائج الدراسة أن التعامل غير المهذب يتسبب بتأثير سلبي على الأداء كالتالي:

66 بالمئة من الموظفين قلت جهودهم التي يبذلونها في العمل.

80 بالمئة خسروا الكثير من أوقات العمل بسبب التفكير السلبي الزائد.

12 بالمئة قرروا الاستقالة وترك العمل لأماكن أخرى.

في الواقع أن شركة عملاقة تبنت نتائج الدراسة ووجدت أن عدم التهذيب يكلف الشركة 12 مليون دولار سنوياً بتقديرات متحفظة.

ولم ينته الأمر هنا، فقد أوضحت د. كريستينا أن الأثر السلبي لهدم التهذيب لا يقتصر على الشخص الذي يتعرض للسخرية أو الإهانة، بل حتى بقية الموظفين الذي يشاهدون هذه السلوكيات. حيث تبين أن أداء بقية الموظفين الذين يعملون في بيئات عمل غير مهذبة انخفض أداؤهم 25 بالمئة، وقلت القدرة على ابتكار أفكار جديدة بنسبة 45 بالمئة.

قد تكون مشكلة عدم التهذيب في التعامل سببها سوء الظن الخاطئ لدى الفئة غير المهذبة من المديرين أن التعامل الفظ وغير المحترم ينم عن القوة والسيطرة والقيادة. أو ربما سوء الظن أن هذا الأسلوب سيدفع الناس لإنجاز المهام.

التعامل الإنساني والسلوك الراقي دليل قوة القائد وليس ضعفه، ومؤشر لقدرته على تحفيز فريقه لتحقيق الإنجازات، ولا يتنافى ذلك أبداً مع الحزم والصرامة طالما لم يكن فيها ظلم أو إساءة لأحد.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا التوجه الذي يتميز بآثاره السلبية على صحة الأفراد، يوجد على الخصوص في الشركات متعددة الجنسيات. فقد اعتمدت هذه الشركات الكبيرة في خلال العقود الأخيرة، نُظم مراقبة وتقييم موحدة تفرض على موظفيها متابعة إجراءات التشغيل، والسعي لتحقيق معايير أداء يصعب تحقيقها.

ولتحقيق هذا الغرض، فثمة ثلاث خطوات بسيطة من شأنها أن تخلق ظروفاً أكثر ملاءمة للنمو المهني عند الموظفين.

الخطوة الأولى تتعلق بالقدرة على حرية التصرف. وأما الخطوة الثانية في عملية التغيير الإيجابي، فتتمثل في تبادل المعلومات في داخل المنظومة. وأخيراً يأتي التدبير الثالث، وهو يتعلق بعملية التقويم.

سأل الموظف الجديد مديره – مستغـلاً تهذيبه الشديد – «هل إدارة الشركة تتحمل مسؤولياتها؟»؛ أجاب المدير بابتسامة «بالطبع؛ فأنا من اليوم وصاعـداً سيتم تحميلي كل أخطائك»…!

إن تشجيع الموظف على التصرف بطريقة مدنية يساعد على ضمان تجربة عمل مسالمة. ويتضمن إعطاء الائتمان حيثما يكون مستحقاً؛ والامتناع عن القيل والقال حول زميل في العمل والترحيب بالوافدين الجدد.

ختاماً؛ التهذيب – وحده- لا يكفي؛ فهو بحاجة لحصافة؛ حتى لا نحصل عـلى مدير يظن أن تسع موظفات بإمكانهن بالتعـاون إنجاب طفل في شهر واحـــد!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن