ثقافة وفن

الإنسان والحضارة أبعاد نفسية وحياتية تحكم علاقتهما المترابطة مع التطور

| مصعب أيوب

لكل شعب في الأرض من الحضارة نصيب، وكذلك قدْرًا معينًا من التنظيم الداخلي لحياته، ومن الفهْم لهذه الحياة على نحوٍ معين وهي تختلف في مدى ما اكتسبته من علم وخبرة وقدرة على تسخير الطبيعة من أجل خدمتها.

لأن الإنسان هو أساس كل شيء ولأن الحضارة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً به، وفي ظل وجود علم النفس الباطني أو ما يسمى بالدخول إلى أعماق النفس البشرية؛ كان لا بد من التطرق لموضوع مهم يعتني بذلك ليستفيد منه الكثيرون وينهل من علمه المهتمون في دراسة داخل الإنسان والأسباب الدفينة وراء كل سلوك، وهو ما أدى إلى تأليف كتاب (الإنسان والحضارة والتحليل النفسي) الذي أصدرته مؤخراً وهو من تأليف ويلهلم رايش وترجمة أنطون شاهين.

اليومي في الحياة

في حياتنا اليومية وخلال تعاملاتنا مع الكثير من الأشخاص الذين تربطنا بهم علاقات شخصية أو عائلية أو عمل أو صداقة يجعلنا نتعرض لكثير من المواقف والتصرفات وردود الأفعال التي من الممكن أن تكون غريبة بعض الشيء بالنسبة لنا في حين أنها طبيعية لدى أصحابها، وكذلك في كثير من الأحيان نواجه تصرفات ممكن وصفها بالعدوانية واللامنطقية، وفي هذه الحالة نحن بحاجة إلى علم يعرّفنا بأسباب هذه التصرفات أو الأفعال وهو الأمر الذي يخبرنا به علم نفس الأعماق وتحليل التكوين الداخلي لشخصية الأفراد ويتم ذلك من خلال التعرف إلى ماضي وحاضر الشخصية وتربيتها وطريقة إعدادها.

تداخل العلوم

يؤكد الكتاب على أن علم النفس متداخل مع كل العلوم ولا بد أن أهمها الجانب الفني والأدبي، فعلى سبيل المثال رواية ما أو عمل فني لفنان معين لا بد أن لها أبعاداً نفسية نابعة من صميم صاحبها، فهي نتاج مواقف مر بها أو أثرت في نفسه وخلقت لديه هذا الشعور الذي أخرج بالنهاية بشكل ملموس هذه الرواية أو ذاك العمل، وربما تقرأ قصيدة شعرية يعتريها الحزن وتلتمس بين حروفها العتب، وسبب هذا كله في طبيعة الحال شريط ذكرياته أو ما مر به من حزن أو فراق، كذلك وأن الروايات الرومنسية نابعة من أعماق النفس البشرية، تعكس الأحاسيس والمشاعر الدافئة، ويرى الكاتب حسب دراسة لفرويد الباحث في علم النفس الداخلي أن الغضب والعنف والبطش وحتى الفوضى كل هذا ناجم عن معاناة شخصية ربما مر بها الفرد في مراحل الطفولة المبكرة.

مراحل انتقالية

نشأ التحليل النفسي ليمثل مرحلة انتقالية تعبر عن إعادة اكتشاف الإنسان، وهو يتسم بالطابع التاريخي حيث إنه يدرس ويراقب الظواهر والأمور وفق تسلسلها الزمني للتعرف إلى أسباب هذا الفعل ودوافع ذاك التصرف فهو أشبه بعملية التنقيب، وكذلك يعمل التحليل على معالجة ما يسمى بالتدمير النفسي، فالعقل الباطن هو أساس سلوك الأفراد ومن أهم أهدافه التركيز على استخدام العقل والتمحيص والاستدلال لمعرفة ما هو خفي، وكذلك يبعد الأفراد عن الاندفاعات واستخدام الغرائز في غير موضعها الصحيح وبطرق عشوائية، وهو يفسر كذلك كثيراً من الرغبات المكبوتة والمسببة للقلق ومن خلاله يعطي الشخص لنفسه الفرصة لمواجهة الدوافع والرغبات، ففي التحليل النفسي خطوط إرشادية متبعة في سبيل إشباع المعرفة، فقد مثل التحليل النفسي ثورة فكرية فسرت الذات من جديد وفق الآليات التي عرّفنا بها فرويد والذي يتوسع الكتاب لشرح بعض دراساته.

تعد مشكلة الأضداد من أهم المشكلات التي يواجهها علم النفس التحليلي ومثال عليها الشخص الذي تراه خارج البيت منفعلاً متسرعاً متهوراً وصاحب صوت مرتفع، في حين أنه في البيت عكس ذلك تماماً وأمثلة كثيرة على ذلك تطول وتطول، ومن خلال نشر ثقافة الوعي وإدراج التحليل النفسي ضمن إستراتيجيات التربية والتأهيل يمكن التوصل إلى حلول لمشكلة التناقضات في الوقت المناسب، وهو لا يعني الرضا التام والوصول إلى حالة من الراحة والهدوء، وإذا ما ربطنا الحوافز بالأهداف فإننا نجد أن المعرفة تقود إلى إدراك الموضوعات والظواهر مقتربة من الحقيقة.

يعرفنا الكتاب بأهمية التحليل النفسي ودوره المميز في فهم النفس البشرية والأسس التي ينطلق منها في تحليل دوافع الأفعال من خلال التدقيق والملاحظة والدخول إلى باطن المشاعر والنفس.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن