قضايا وآراء

«البلل» الأميركي يصل إلى «الذقن» الألمانية

| هديل محي الدين علي

وصل «البلل» الأميركي إلى «الذقن» الألمانية، وباتت ضغوط واشنطن على برلين بشأن توريد الدبابات إلى أوكرانيا مكشوفة النيات، خاصة أن الأخيرة تعي كيف أصبح وضع الصناعة في أوروبا بعد انخفاض موارد الطاقة الروسية إلى الحدود الدنيا وتفجير خط أنابيب «نورد ستريم 2»، وهو أمر تنشده واشنطن لتنحية الصناعات الدفاعية وغير الدفاعية من المنافسة العالمية.

وإلى جانب واشنطن تضغط الدول الغربية على برلين بضرورة إمداد كييف بدبابات «ليوبارد2»، الأمر الذي يلقى خشية وتردداً كبيرين لدى المستشار الألماني والكثير من الساسة، بإرسال هذه الدبابات إلى كييف، تفادياً للمواجهة المباشرة مع روسيا، وهو أمر أعلنته صراحة النائبة الألمانية من حزب اليسار «سيفيم داغديلين»، التي أكدت أن الولايات المتحدة بدفعها ألمانيا إلى تزويد كييف بالدبابات، تجبرها على التضحية بنفسها في الصراع ضد روسيا.

ألمانيا التي لطالما حافظت منذ أواخر عام 1950على علاقة متوازنة مع روسيا، كانت مشاركتها مع حلف شمال الأطلسي طوال الحرب الباردة مدفوعة بإستراتيجية الاستفادة من الحماية التي يوفرها الحلف، وتقديم ما لا يزيد على الحد الأدنى المطلق من المشاركات، مع توسيع العلاقات التجارية مع السوفييت آنذاك، وهو أمر أكدته صحيفة «بوليتيكو» التي تحدثت عن أن تردد ألمانيا بشأن المساعدات لأوكرانيا هو امتداد منطقي لإستراتيجيةٍ خدمت اقتصادها بصورة جيدة من الحرب الباردة إلى قرار منع انضمام أوكرانيا إلى «الناتو» في عام 2008، وصولاً إلى «نورد ستريم».

المخاوف الألمانية تحمل شقين: أولها سياسي أمني يتعلق بتحويلها إلى كبش فداء متورط بشكل مباشر في المواجهة مع موسكو، خاصة إذا ما أخذت الحرب الأوكرانية منحى تصاعدياً وتوسع الصراع باتجاه محتمل إلى بولندا، وهو ما دفع الساسة الألمان للذهاب إلى تحليل يقول «إن الولايات المتحدة قررت إجبار حلفائها على التضحية بأنفسهم في إطار سياسة جديدة لاستهداف التحالف الأوراسي لروسيا والصين، حيث يجب على ألمانيا واليابان أن تصبحا ما يشبه «لحماً» للمدافع الروسية، أي دول خط مواجهة بسيادةٍ محدودة.

الشق الثاني اقتصاديٌّ بحت يدخل كنتيجة للشق الأول، وهو انهيار الاقتصاد الأوروبي، وبالتالي انعدام القدرة الصناعية في الدول الأوروبية وأبرزها ألمانيا وفرنسا للسيطرة على أسواق تصريف المنتجات الأوروبية وخاصة المنتجات الدفاعية، ولعل أبرز مثال على ذلك هو القرصنة الأميركية لاتفاق باريس وكانبيرا عام 2016 بقيمة 66 مليار دولار أميركي مع مجموعة «نافال غروب» المملوكة للدولة الفرنسية لبناء 12 غواصة تقليدية تعمل بالديزل والكهرباء تحت اسم «أتاك كلاس»، حيث ألغت واشنطن العقد الفرنسي وأنشأت عقداً جديداً مع أستراليا على ثماني غواصات أميركية على الأقل تعمل بالطاقة النووية بدلاً من الغواصات الفرنسية، وتحولت آنذاك إلى أزمة دبلوماسية بين الدول الثلاث انتهت باسترضاء باريس بمبلغ 555 مليون يورو، وذهبت مليارات الدولارات إلى «البلطجي» الأميركي الذي تسميه أوروبا حليفاً.

السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى تستطيع برلين رفض مطالب واشنطن التي تُطبِق على الجغرافيا الألمانية بـ21 قاعدة عسكرية يتمركز فيها نحو 34500 جندي أميركي؟! في النهاية سترضخ برلين لضغوط واشنطن وسترسل الدبابات إلى نظام كييف على الرغم من عدم جدواها لتغيير مسار المعارك هناك، لكن هذا سيحدث فقط عندما ينفد كل خيار ممكن للتأخير، حينها ستقدم برلين أقل عدد ممكن من الدبابات والدعم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن