قضايا وآراء

الدول النامية والاستفادة من النمو الأخضر

| الدكتور قحطان السيوفي

ثمة سؤال مهم يفرض نفسه: كيف يمكن للدول النامية الاستفادة من التحول إلى النمو الأخضر؟

يعتبر الاقتصاد الأخضر الوسيلة المهمة لتحقيق التنمية المستدامة، ومع ذلك، فبالنسبة للعديد من البلدان النامية لا تزال مكافحة الفقر وتوفير احتياجات الإنسان الأساسية تتقدم سلم الأولويات.

تخيل أنك من صناع القرار في دولة من دول الاقتصادات النامية، وجاء إليك أحد الناشطين المدافعين عن البيئة محاولاً إقناعك بالواجب الأخلاقي الذي يحتم عليك الحد من انبعاثات دولتك من غازات الاحتباس الحراري، فسرعان ما ستشعر بالملل لأنك سمعت مثل هذا الكلام من قبل، وسينصرف ذهنك إلى مسائل أكثر إلحاحاً، فدولتك تعج بالمشكلات، بدءاً من حالة الفقر والتضخم وصولاً إلى التحديات الخاصة بتمويل الخدمات العامة.

ولا يشكل خفض الانبعاثات أولوية حالياً رغم أهميته، فهناك دول مكتظة بالسكان مثل الهند وباكستان ومصر، تقل نسبة انبعاثات كل منها عن 1 في المئة من الانبعاثات العالمية، وانبعاثات دول نامية أخرى ضئيلة للغاية، والتخلص منها كلها لن يكون له تأثير كبير في المناخ، فستتكبد نفقات وتفوّت فرصاً لتحقيق الرخاء الاقتصادي من دون عائد يذكر.

الاقتصاد العالمي يشهد تغيراً، حيث تدرك كل دول العالم ضرورة أن يحد العالم من الانبعاثات لمنع حدوث كارثة مناخية، فالمسألة الملحة لا تتعلق بما يمكن للدولة النامية أن تفعله للحد من انبعاثات لديها، بل بالطريقة التي يمكن من خلالها الإسراع بتنمية اقتصادها عبر الدخول في الصناعات سريعة النمو التي ستساعد العالم على خفض انبعاثاته.

أشير هنا إلى بعض الخطوات التي يمكن أن تتيح للدول النامية فرص التحول إلى النمو الاقتصادي الأخضر:

1- يتم تبني التحول العالمي نحو استخدام الطاقة الكهربائية.

ولخفض انبعاثات الكربون، فإن العالم بحاجة إلى استخدام الكهرباء، وتوليد الكهرباء من الشمس، وسيتطلب ذلك أعداداً هائلة من الألواح الشمسية وتوربينات الرياح والكابلات الكهربائية والمكثفات إضافة إلى آليات لتخزين الطاقة، مثل بطاريات الليثيوم أيون.

وستكون هناك حاجة أيضاً إلى خلايا وقود لتحويل الكهرباء إلى هيدروجين والعكس.

2- علينا الاستفادة من القرب من مصادر الطاقة المتجددة.

فالشمس تشرق والرياح تهب في كثير من الدول، غير أن بعض هذه الدول، يعمل بجد لاستغلال مصادر الطاقة هذه للحصول على الطاقة الخضراء، وستتجه الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة نحو الأماكن الغنية بالطاقة الخضراء.

3- في ظل تقلص مصادر التمويل في الدول النامية وتصاعد مؤشرات المديونية، فإن الـسبيل الوحيد لخلق مصادر تمويل يكمن في محاولة جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتطوير وتنشيط الاستثمار المحلي.

لذلك يجب على الدول النامية خلق مناخ ملائم لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة من خلال سن تشريعات محفزة ومغرية محاولة بذلك إزالة المعوقات بالنسبة لخفض تكلفة رأس المال.

فالشمس تشرق والرياح تهب والمطر يهطل من دون مقابل، ومعظم تكلفة إنتاج الطاقة المتجددة هي التكلفة الثابتة للمعدات، بما في ذلك تكلفة رأس المال لشرائها.

4- التخطيط للتعلم، فمن الذي سيحول ضوء الشمس والرياح لديه إلى مصدر للتميز؟ والإجابة هي تلك الدول التي تركز على استقطاب الاستثمارات الإستراتيجية والكفاءات العالمية، وكذلك تيسير سبل تبني التكنولوجيا من خلال دعم البرامج البحثية في الجامعات وخارجها، وهناك العديد من التحديات في الدول النامية ولا سيما في تعبئة الإرادة السياسية لجعل التنمية المستدامة حقيقة، والعالم مليء بالدول التي أهدرت ثرواتها الطبيعية نتيجة لإخفاقات في حوكمة الاقتصاد الكلي وقطاع التعدين، ويجب على الدول النامية أن تُحسن إدارة مواردها علها تستطيع اللحاق بركب الاقتصاد الأخضر.

بناء الاقتصاد العالمي الأخضر في سياق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر، هو مسعى جماعي يهم المجتمع الدولي والقطاعين العام والخاص وسائر الجهات الفاعلة، كما يشكل الطريق نحو الاقتصاد الأخضر تحدياً وخصوصاً للبلدان النامية.

وهناك مخاوف غير مسوغة لدى البعض في الدول النامية من أن يكون الاقتصاد الأخضر هو مجرد شروط جديدة تعوق مسيرة هذه البلدان نحو التنمية، ولكن وجود مؤسسات ناجحة وإدارة للاقتصاد الكلي تسهم في خفض المخاطر التي يتعرض لها البلد، والقدرة على المنافسة في مجال الطاقة الخضراء، فكلما طال انتظارنا في الدول النامية، أصبح التصدي للتحديات البيئية التي نواجهها صعباً وأكثر تكلفة.

أخيراً ثمة أسئلة تواجه أصحاب القرار في الدول النامية: هل يعتبر الاقتصاد الأخضر أحد آليات التنمية المستدامة؟ هل سيؤدي الاقتصاد الأخضر إلى دعم وتنمية الاقتصاد؟ هل سيؤدي الاقتصاد الأخضر إلى تحسين البيئـة الـصناعية وبالتالي سوف يساعد على التنمية الاقتصادية؟

والإجابة نعم، شريطة توافر الموارد اللازمة للاقتصاد الأخضر، ولكن للأسف غالباً ما يكون ذلك مُتعذراً، لأن الأولوية في معظم الدول النامية، وخاصة في ظل الأزمات العالمية، يكون تأمين الخدمات العامة، واحتياجات الإنسان الأساسية تتقدم سلم الأولويات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن