قضايا وآراء

الحرب على سورية: الموضوعي والذاتي!

| بقلم د. بسام أبو عبد الله

شاركت أول من أمس الثلاثاء بندوة سياسية في المركز الثقافي بأبو رمانة تحت عنوان «كيفية الخروج من الأزمة» مع السيدين محمود مرعي وزياد غصن في محاولة للإجابة عن هذا السؤال الكبير، وبالرغم من عدم ادعاء أحد أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، أو الإجابة القاطعة، لكن أجواء الحوار كانت ساخنة، وسقفه كان مرتفعاً جداً، وسأنقل بعض الآراء التي طُرحت، ومنها:

1- عدم وجود معارضة حقيقية، سببه التصحر السياسي منذ عام 1963، أي منذ وصول حزب البعث للسلطة، الذي برأي المداخل اتبع سياسة القطيع، وأنهى أي إمكانية لنشوء معارضة لها تمثيل ومرتكزات، وهذا انعكس على الهوية الاقتصادية، إذ لا نجد حتى الآن هوية اقتصادية واضحة!

2- برأي أحد ممثلي غرفة تجارة دمشق أن الحوار السياسي طريقه طويل، ولن ينتج حلولاً للناس، والأفضل الذهاب نحو حوار اقتصادي يُصحح أخطاء السياسات الاقتصادية الحالية المتخبطة، وهو الأمر الأهم بالنسبة للجميع.

3- كان الفساد عنواناً رئيساً للعديد من المداخلات، وذهب البعض للقول إن أمراء الحرب لا مصلحة لهم بالتوصل إلى حلول، كما أن انتشار الفساد لا يمكن أن يكون عاملاً مساعداً لجذب الاستثمارات، من دون قوانين صارمة.

3- أحدهم اتهم أطراف المعارضة بالتنظير فقط من دون وجود برامج لديهم، ودعاهم قبل طلب الحوار، لتحقيق وحدتهم، وإلا كيف يمكن الحوار مع أطراف مشتتة وضعيفة.

4- جيل الشباب كانت له مداخلاته، وقد طرحت إحداهن أن الفقر أصاب عامة الناس، في حين لم يُصب أي مسؤول، أو أمير حرب، فنحن نزداد فقراً، وآخرون يزدادون غنى، ما هذه الحرب التي تجعل المسؤولين يتمتعون بالحصانة في حين أبناء شعبهم يزدادون اهتراءً وتعاسة!

4- أحد الاقتصاديين البارزين قال: إن أسباب الأزمة ليست مؤامرة خارجية، وإن الحل السياسي ضروري، وهو الأساس لأي انتقال نحو مجتمع يحترم الحريات الأساسية، وسلامة المواطن، ولا يمكن تخفيف الأزمة الاقتصادية من دون حل سياسي!

كما ترون هو خليط من الطروحات التي تبحث عن متهمين لإلقاء التهم عليهم، ومقاضاتهم، لا بل إعدامهم من دون مقاربات لطبيعة الحرب على سورية، وتحليل علمي يميز ويفرق بين الموضوعي والذاتي، ذلك أن الخلط بينهما لا يوصلنا إلى نتائج صحيحة وتحليل دقيق، وإذا كان الإعلامي زياد غصن قد قارب المسألة الاقتصادية من زاويتين:

– الأولى: إفرازات الحرب وخسائرها، العقوبات الغربية، والوضع الاقتصادي في الإقليم، وربط به سوء إدارة الشأن الاقتصادي داخلياً كعامل تابع، لكنه أشار إلى أن الخروج من الأزمة الاقتصادية يتطلب:

– إزالة الأسباب الداخلية لتفاقم الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الحرب.

– العمل على إيجاد حل سياسي للأزمة.

وبرأيه فإنه إلى حين بلورة حل سياسي لابد من:

* استعادة الثقة بالإمكانيات الوطنية والقدرات الاقتصادية.

* زيادة الإنتاج، وتالياً ضبط الاستيراد، وزيادة الصادرات اقتداء بتجربة الثمانينيات.

* السيطرة على معدلات التضخم، وسعر الصرف، والفقر، والبطالة، ولو بشكل ما.

* تحسين واقع الخدمات العامة المقدمة للمواطنين.

* رفع المستوى المعيشي، أو وقف التدهور الحاصل حالياً.

* إعادة استقطاب رؤوس الأموال السورية المغادرة الموالية للدولة السورية على الأقل.

*إعادة ربط المناطق اقتصادياً.

*زيادة إيرادات الخزينة العامة.

ويؤكد أن معالجة الوضع الاقتصادي بشكل جذري غير ممكنة من دون حل سياسي، وأن هناك مؤشرات تصعيد تقودها أميركا، ومؤشرات انفتاح تقودها بعض الدول العربية والإقليمية، وهذا مرتبط أيضاً بقدرة تلك الحكومات على مواجهة الضغوط الغربية الساعية لإبقاء الحصار، وما غايات هذه الدول من التطبيع مع سورية، وفي كل الأحوال رأى أن العبرة في النهاية لما نريد أن نصنعه في الداخل!

هنا دعوني أعد للطرح الأساسي، وهو أين الموضوعي والذاتي فيما تتعرض له سورية منذ 12 عاماً:

* لقد اختلفت بداية مع استخدام مصطلح الأزمة بدلاً من الحرب، لأن ما تعرضت له سورية هي حرب فاشية عدوانية هدفها شطب سورية من الخريطة، وتقسيمها إلى كانتونات متناحرة، ونحن خُضنا حرباً دفاعية منذ البداية.

* كان من أهداف الحرب نقل سورية إلى موقع جيوسياسي آخر عبر الإخوان المسلمين، وديكوراتهم الليبرالية، واليسارية من أجل الذهاب نحو «اللبننة»، أو «العرقنة»، ولمن يريد الاطلاع عليه العودة إلى التعهدات التي قدمها ما يُسمى «الائتلاف السوري» المعارض حينما شُكل في الدوحة عام 2012، وهذا الكلام موثق في العديد من المراجع والكتب.

* تغيير الهوية العروبية السورية، وشعبها، وتعزيز الهويات الفرعية ما تحت الدولتية من مذاهب وطوائف وإثنيات، والمشروع الإثني لا يزال ماثلاً أمامنا في شمال شرق سورية برعاية وحماية أميركية.

* موقع سورية الجغرافي، والسيطرة عليه لمصلحة أميركا والقوى الغربية، أي العامل الجغرافي والموقع.

* علاقة سورية بالتوازنات الإقليمية والدولية والقوى الصاعدة الجديدة.

* الوزن النوعي التاريخي لسورية، وتأثيرات ذلك في المسيحية المشرقية التي يراد تدميرها، وتهجير السوريين منها، والإسلام المعتدل عبر زرع التطرف والإرهاب، وتدمير القيم.

* تدمير دور سورية الداعم لحركات المقاومة في المنطقة من لبنان إلى فلسطين وغيرهما، وضرب واسطة العقد في محور المقاومة.

كثيرة هي الأسباب الموضوعية، هذه وغيرها، ولكن دون فهم ذلك بعمق ودقة، كيف يمكن الخروج مما نحن فيه، لأن الانتقال للذاتي من دون فهم الموضوعي تحليل علمي ناقص، وفيه تجنٍّ، وقفز للأمام من دون الحديث عن الخلفية التي أوصلتنا لما نحن فيه، وإلا كيف يمكن تفسير تدمير أحد أهم المشافي في المنطقة مثل مشفى الكندي في حلب مثلاً، وكيف يمكن تفسير تفكيك محطات الكهرباء، وضرب السكك الحديدية، وتدمير المدارس والجامعات، والمنشآت الاقتصادية، وتفكيك المعامل، وقتل العلماء، والمهندسين، والأطباء، ورجال الدين، والضباط، والجنود بطرق شنيعة، وماذا يمكن تسمية هذا كله؟

ماذا يمكن تسمية الاعتراف من أحد مسؤولي مشيخة قطر السابقين بالتمويل بمئات المليارات من الدولارات لقطعان من المرتزقة، والقتلة سوريون أو غيرهم؟ ومن فتح الحدود أمام إرهابيين من 102 دولة حسب وثائق الأمم المتحدة؟ وماذا نسمي مؤتمرات أصدقاء سورية التي تقودها واشنطن وحلفاؤها؟ وماذا نسمى حرب المطارات، والحرب الإعلامية، والنفسية، والتضليل، وغرف «الموك» في الأردن، و«الموم» في تركيا؟ وكل هذه ليست عوامل موضوعية!

أما العوامل الذاتية فهي لاشك كثيرة، وعديدة، ومنها:

• نمط الحياة السياسية الذي يحتاج إلى تطوير، ولكن بتدرج وهدوء، لأن أي دمقرطة هي ثقافة قبول الآخر، والديمقراطية ليست صناديق اقتراع، بل تحتاج إلى حوامل اقتصادية، اجتماعية، سياسية، والأمور ليست بهذه البساطة التي يطرحها البعض.

• تحميل حزب البعث الحاكم كل الموبقات أيضاً فيه تجنٍّ كبير، ذلك أن البعث جزء من الشعب السوري، وفيه اتجاهات إصلاحية ومحافظة وكلاسيكية، وهو ليس تجمعاً للإسمنت، بل تتفاعل داخله عوامل كثيرة، وبقدر ما ظهر فيه انتهازيون ومتسلقون وخونة، بقدر ما قدم شهداء وأبطالاً كغيره من القوى السياسية السورية الأخرى، لذلك فإن التعميم لغة خاطئة وظالمة، كما أن حزب البعث يعمل على تطوير أدواته ووسائله وكوادره، وهو يراجع الكثير من المقاربات، وفيه نقاش داخلي واسع وكبير حول ذلك كله.

• أما التعميم بشأن الفساد واتهام الحكومة كاملة، والدولة بكاملها، فهذا كلام يلقى جزافاً، ولا يجوز اتهام مؤسسة كاملة بالموبقات، على أن ذلك لا يلغي أن منظومات الفساد تزداد شراسه ووقاحة وفجوراً.

ما أريد قوله إنه من الضروري الابتعاد عن الشماعات، وإلقاء المسؤولية على الحرب وتبعاتها، ولكن من المهم أكثر الاعتماد على التحليل العلمي للعوامل الموضوعية التي أشرت إلى بعضها، والعوامل الذاتية، وكيفية التعاطي مع كل منهما، أما الاستمرار في جلد الذات، فلا أعتقد أنه سيجدي نفعاً، والداخل وحوامله أساسي في النهوض من جديد، لكن شرط عدم إلقاء التقصير والإهمال والفساد والخوف من مواجهة الواقع، على شماعة الحرب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن