ثقافة وفن

أحد أهم الرموز والأسماء الشعرية … شوقي بغدادي.. حياة حافلة بالآداب والإبداع والتفرد بجماليات النص الشعري

| وائل العدس

نعت وزارة الثقافة واتحاد الكتّاب العرب في سورية الشاعر والأديب شوقي بغدادي الذي وافته المنية مساء الأحد عن عمر 93 عاماً، تاركاً وراءه حياة حافلة بالآداب والإبداع والتفرد بجماليات النص الشعري.

هو من أبرز الشعراء الذين حافظوا على جمال الشعر الحديث، كما أن له يد السبق في المشاركة في تأسيس الهيئات الإدارية الخاصة بالأدباء العرب، فهو لم يسهم فقط بإرفاد المحتوى الأدبي العربي ولكن ساهم أيضاً بتأسيس الهيئات الكفيلة بتنظيمه.

فللراحل الدور المهم والكبير في تأسيس اتحاد الكتّاب العرب في سورية عام 1969، والذي بدوره قال في نعيه للراحل: «إن اتحاد الكتّاب إذ ينعى بكثير من الأسى والحسرة فقدان الشاعر المبدع المجدد شوقي بغدادي، فإنه يتوجه بأصدق التعازي إلى عائلته وأهله وذويه وقرائه ومحبيه وإلى جميع الأدباء والمثقفين في سورية والوطن العربي، مؤكداً أن الإرث الثقافي والإبداعي الكبير الذي تركه شاعرنا كفيل بتخليد اسمه في ضمائر مثقفي الأمة ومبدعيها على مساحة الوطن».

بين عدة مدن

ولد الشاعر والقاص شوقي جمال بغدادي في 26 تموز عام 1928 في بانياس ونشأ فيها، وتنقل بين مدارس رسمية متعددة فيها وفي طرابلس بلبنان منذ عام 1934 حتى عام 1939، ثم اللاذقية من عام 1939 حتى عام 1945.

أنهى تعليمه العالي في كلية الآداب في جامعة دمشق وفي كلية التربية معاً عام 1951، وبعد التخرج مباشرة عمل في تدريس اللغة العربية في ثانوية «التجهيز الأولى للبنين» في طرطوس /1952-1953/، ثم انتقل للتدريس في «ثانوية البنين» في اللاذقية /1953-1954/، ليعود بعدها إلى التدريس في ثانويات دمشق، فبدأ بإحدى ثانويات حي الميدان، ثم انتقل إلى «ثانوية الثقفي» في حي المالكي.

كما عمل مدرّساً للغة العربية وآدابها في لبنان ثم الجزائر ضمن كلية التعريب التي كانت قد نشطت هناك بعد الاستقلال عن فرنسا، ثم عاد إلى دمشق عام 1972 وتفرغ للكتابة.

وقد ذكر الشاعر الراحل أنه تعلم خلال السنوات التي قضاها مدرساً في الجزائر حب اللغة العربية وكثيراً من جماليات هذه اللغة وصعوباتها، وتعلم منه الطلاب عشق لغتهم وتاريخها.

وزار في أثناء إيفاده عدة دول أوروبية كفرنسا وإسبانيا وإيطاليا، وسّعت عليه آفاقاً وجعلته أكثر انفتاحاً، وخاصة أن سيرة حياته غنية بالرحلات.

شاعر المدرسة

بدأ أولى محاولاته الأدبية في الشعر في عام 1940 عندما كان في المرحلة الاعدادية، وحاز أول ألقابه «شاعر المدرسة» في المرحلة الثانوية؛ والتي شهدت أيضاً أول دواوينه والمسمى «ديوان البراعم» الذي جمع فيه باكورة أشعاره.

ولعل من أهم ما يميز تجربة الراحل انحيازه لقضايا الفقراء والمظلومين من أبناء أمته، تماماً كما كان منحازاً إلى قضاياها المصيرية ومنها قضية فلسطين التي كانت بمنزلة الجرح الذي ينز في معظم حروفه وكتاباته.

ويعد الراحل أحد أهم الرموز والأسماء الشعرية في سورية والوطن العربي في العصر الحديث، خاصة أنه كان صاحب الدور الفاعل في تأسيس أول تنظيم أدبي سوري عام 1951 والذي عرف بـ«رابطة الكتّاب السوريين» إلى جانب شخصيات أدبية وثقافية سورية كبيرة أمثال حنا مينه وسعيد حورانية وفاتح المدرس.

أصدر مجموعته الشعرية الأولى «أكثر من قلب واحد» عام 1955 ومجموعته القصصية الأولى «حبّنا يبصق دائماً» عام 1954.

نشر عديداً من المجموعات الشعرية والقصصية الأخرى التي تركت أثراً مهماً في الأدب العربي، ومن قصصه: «بيتها في سفح الجبل عام 1977، و«عودة الطفل الجميل» عام 1985، و«مهنة اسمها الحلم» عام 1986، و«فتاة عادية» عام 1998.

من مجموعاته الشعرية: «لكل حب قصة» عام 1962، «أشعار لا تحب» عام 1968، و«بين الوسادة والعنق» عام 1974، و«ليلى بلا عشاق» عام 1979، و«قصص شعرية قصيرة جداً» عام 1981، و«كم كل بستان» عام 1982، و«رؤيا يوحنا الدمشقي» عام 1991، و«شيء يخص الروح» عام 1996، و«البحث عن دمشق» عام 2003، و«ديوان الفرح» عام 2010.

وله للأطفال: «عصفور الجنة»، حكايات شعرية للأطفال عام 1982، و«القمر على السطوح»، ديوان شعر للأطفال عام 1984.

ونشرت له «الأعمال الشعرية الكاملة» عام 2006.

حاز عام 1981 جائزة اتحاد الكتاب العرب لأفضل مجموعة شعرية، ونال عام 2021 جائزة أحمد شوقي للإبداع الشعري في دورتها الثانية المقدمة من النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر، وقد وصفته النقابة بأنه شاعر له صوته الفريد والخاص… يبحث نصه عن قيم الحرية والعدالة.

وفي عام 1973 تزوج ورزق بابنته المحامية «ملداء» عام 1974، وابنه الطبيب «طرفة» الذي ولد عام 1976، وهو جراح متخصص بالجهاز العصبي ومتخرج في الجامعة الأميركية في بيروت.

قالوا فيه

كتب النجم محمد خير الجراح معلقاً على نبأ الرحيل عبر مواقع التواصل الاجتماعي: «الأديب العربي الكبير الشاعر شوقي بغدادي في ذمة الله، رحيل آخر قامات الأدب في الزمن الجميل في سورية، أتقدم من عائلته الكريمة والوسط الأدبي السوري والعربي بأحر التعازي».

المخرج محمد زهير رجب فكتب: «رحيل الشاعر الكبير والمبدع الأستاذ شوقي بغدادي الذي كان له فضل كبير على الحركة الثقافية والعربية لزمن طويل، وداعاً يا أستاذي، خبر محزن حقاً، وداعاً أيها الكبير».

الامتحان الأخير

قُبَيْلَ أن أموت
أريد أن أقول كلمتين
لا ترفعوا بيتاً من البيوت
إلا وراء قلعتين
لا تغرسوا الزهرة
إلا بين شوكتين
لا تبلعوا اللقمة
إلا بعد غصتين
كي تذكروا من مات
قبل أن ينال كسرتين
لا تسمحوا للنوم
أن يكسّر الجفون
إلا لكي تروا بلا عيون
كابوسنا الرهيب كالجنون
***
لا ضحكة اليوم ولا ابتسامة
لا شيء إلا حرقة الندامة
فلنقطعن عن فمنا اللقمة
ولنطرحن مطارف النعمة
كي نشتري أعمدة الحديد
ونرفع البناء من جديد
ولنتعلّمْ أنه امتحاننا الكبير
وأنه امتحاننا الأخير

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن