قضايا وآراء

الكيان الإسرائيلي ومعضلته المتفاقمة

| تحسين حلبي

أصبح من المؤكد في هذه الظروف أن وضع الكيان الصهيوني الراهن يقلق كثيراً قادة الحركة الصهيونية لأسباب عديدة أهمها أنه عجز بشكل واضح كقوة عسكرية واستيطانية عن تأمين ما يسمى «دولة لليهود وحدهم» في فلسطين المحتلة رغم كل الدعم الدائم من القوى الاستعمارية طوال قرن من الزمان، فالفلسطينيون يشكلون في قلب فلسطين سبعة ملايين يتمترسون في ثلاث كتل ديموغرافية شمال فلسطين ووسطها وجنوبها في قطاع غزة، مقابل ستة ملايين ونصف مليون من الإسرائيليين، ويدرك الشعب الفلسطيني في الداخل قيمة وجوده هذا ويعده قاعدة كفاحية لاستعادة الوطن من المحتلين.

وأمام هذا الوضع الإسرائيلي يرى رئيس تحرير مجلة «ميديل إيست آي» ديفيد هيرست في تحليل نشره في 26/1/2023 وهو من أهم المختصين في مواضيع الشرق الأوسط أن «الحركة الصهيونية أصبحت منقسمة علناً بين تيارين أحدهما عام تقليدي يشعر بالعجز، وآخر قتالي يمثله الآن بشكل علني رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو، وهو رئيس الحكومة، إلى جانب ايتامار بن غفير رئيس «حزب القوة اليهودية» وسموتريتش رئيس حزب «الصهيونية الدينية اليهودية».

ويصطف إلى جانب هذه الأحزاب جميع قادة المستوطنين المتشددين في الضفة الغربية وأنصارهم في داخل الكيان الإسرائيلي في محاولة فرض يهودية الكيان.

ويذكر أن هذا الموضوع كان قد ظهر بشكله العلني في عهد حكومة أريئيل شارون عام 2001 قبل عشرين عاماً، ولم يتمكن من تحقيق أدنى هدف له وبرر هزيمته في قطاع غزة حين نزع المستوطنات منها ومواقع جيش الاحتلال عام 2005، بأنها خطوة للتخلص من مليون ونصف مليون فلسطيني في القطاع، وأصبحوا الآن مليونين ومئتي ألف.

ورأى حزب شارون في ذلك الوقت، أن الخطوة الثانية هي التخلص من مليون من فلسطينيي الضفة الغربية وخلال تلك السنوات العشرين زاد عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس واصطدم قادة هذا المشروع بهزائم متتالية من داخل الضفة الغربية ومن داخل جبهة قطاع غزة.

يكشف هيرست في مقاله أن جميع الحكومات استغلت منذ الثمانينيات المجموعات المتشددة وصمتت عن عمليات إرهابية قامت بها ضد رؤساء بلديات المدن الرئيسة في الضفة الغربية ومنهم بسام الشكعة قبل اتفاقات أوسلو، ويستشهد هيرست باعتراف ذكره رئيس جهاز الشاباك للأمن السري الداخلي كارمي غيلون في مقابلة مع مجلة «ذا غيت كيبرز» عام 2012 قال فيه إن جميع من اعتقلهم من هذه المجموعات بعد العمليات التفجيرية ضد المسجد الأقصى ورؤساء البلديات، أطلق سراحهم إسحاق شامير وشمعون بيريس، رغم صدور أحكام ضدهم تبين أنها أحكام صورية فقط، لأن سلطات الحكومة كانت ترغب من عملياتهم إرهاب الفلسطينيين ودفعهم إلى الرحيل.

ثم حين ظهرت اتفاقات أوسلو أيدت هذه المجموعات اغتيال إسحاق رابين عام 1995 بعد سنتين على عقد الاتفاقية وكان منفذ الاغتيال عضواً في هذه المجموعات.

يبدو من الواضح الآن أن جدول عمل حكومة نتنياهو بعد كل الفشل في فرض يهودية الكيان سيركز على الهدف نفسه، بعد أن هزمه الفلسطينيون في السنوات العشرين الماضية، ويؤكد هيرست أن هذه المعضلة لم تعد قابلة لأي حل يريده المتشددون، وإضافة إلى ذلك يلاحظ الجميع أن الكيان يواجه جبهتين تمتلكان قدرات مقاومة عسكرية قوية واحدة من محور المقاومة في الخارج في جبهة الشمال وامتدادها حتى طهران، وجبهة الداخل التي تتمترس فيها ثلاث كتل مقاومة من الشعب الفلسطيني في داخل كل فلسطين المحتلة، ولن يكون بمقدور جيش الاحتلال إبعاد أي عدد من الفلسطينيين خارج وطنهم، فالزمن توقف الآن عن العمل لمصلحة الكيان الإسرائيلي إقليمياً وعالمياً بعد التطورات الأخيرة في المواجهة بين روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة والغرب من الجهة الأخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن