ثقافة وفن

إبراهيم ياخور… ذاكرة وإبداع

| إسماعيل مروة

حين نستعرض مراحل من الإعلام السوري، ونذكر بعض رواده وأعلامه، فإن اسم الأستاذ إبراهيم ياخور من الأسماء المهمة البارزة والجادة التي قدمت إضاءات إعلامية مهمة، وحافظ الأستاذ ياخور على رصانة الإعلام ووزنه النوعي في كل برامجه التي قام على إعدادها وتقديمها، ولا تذهب من الوجدان تلك البرامج التي كانت تعتمد البحث والاستقصاء في ملفات متعددة لكشف مواطن الخطأ والإشارة إليها، وكان المشاهد يترقب هذه البرامج لما فيها من جدية وعلمية وحيادية، ففي مثل هذه البرامج قد تكون الغايات محددة سلفاً، إلا أن إبراهيم ياخور كان يرمي إلى أبعد من ذلك، ولم يكن ليعنيه أن يوقف البرنامج في إطلالاته الأولى، ولكنه كان يقدم ما لديه دون أن ينتقل إلى مرحلة أخرى أقل سوية أو جدية في تناول القضايا، وعلى الرغم من قلة الظهور الإعلامي للأستاذ ياخور إلا أنه لا يزال راسخاً في الذهن في وزن التقديم والإعداد، وفي نوعية الملفات وخطورتها، إضافة إلى أناقة الحضور والتهذيب في تناول أكثر القضايا تعقيداً.

في ذلك الزمن الذي لا أركن إلى توصيفه بالجميل كما يفعل الكثيرون كان إبراهيم ياخور مبدعاً وأستاذاً، وسابقاً للبرامج التي احتفلنا بها فيما بعد، والتي تعتمد الملفات ، ولكن بطريقة فاقعة، لأنه كان ينتمي إلى مدرسة إعلامية رصينة غايتها الوصول إلى النتائج المفيدة للمجتمع والوطن، ولم تكن غايته أن يتحول إلى النجومية على آلام الناس وهمومهم.

ولم يكن غريباً على جيلنا ما قدمه الأستاذ إبراهيم ياخور للدراما، وأزعم أنه قدم عملاً لم يقدم له أي نظير، ويستحق الإعادة دوماً، وربما استحق منا أن يعاد إنتاج النص وفق التقنيات الجديدة، ذلك العمل الإنساني الهادئ والدقيق عن مأوى العجزة، وشخصيات كثيرة، ولكل شخصية اهتمامها وهوايتها، وكان الظهور الأبهى تلفزيونياً للفنان الكبير أديب قدورة.. وهذا العمل الذي لامس إنسانية الإنسان لم أكن لأفوت منه حلقة أو لقطة، ولا يزال عالقاً في الذاكرة ذلك الاهتمام الكبير من مختلف الشرائح العمرية.

وفي هذا العمل المتقن عمد الأستاذ إبراهيم إلى تشريح هذا الواقع لشريحة مهمة وكبيرة، إضافة إلى فضح مواطن الفساد، ذلك الفساد الذي لم يتورع عن المتاجرة بآلام العجزة والمسنين، والذين يحتاجون رعايتنا، بينما كان الواقع غير ذلك..!

إن ذاكرة التلفزيون عموماً ضعيفة، ولا تحمل الوفاء طويلاً لمن أضاءها وعمل فيها، وربما بعد سنوات من اليوم لن يتذكر كثيرون إعلاميين مهمين مثل إبراهيم ياخور، مهران يوسف، إلياس حبيب، مروان صواف، غادة مردم بك، نادية الغزي، فاطمة خزندار وآخرين أضاؤوا حياتنا وسهراتنا وشاشتنا، ولكن حسبنا من الذاكرة أن نعددهم، ونتحدث عن مواصفات كل واحد منهم.. وحين يكتمل الأرشيف، وتكتمل الرحلة، فإن الإعلامي القدير الأستاذ إبراهيم ياخور سيبقى في مكانته الرائدة، كصاحب الرأي النقدي الواضح الذي لا مواربة فيه، وصاحب الأفكار الإعلامية والبرامجية المبتكرة، والسابق لعصره في البرامج البحثية الميدانية التوثيقية، وهذه علامة تستحق الاحترام والتسجيل، ولم تحد عن خطها لتقوم بممارسة عملية حسابية في الإعلام، فتحية لروحك الطيبة المبدعة، ولصوتك الذي سيبقى حاداً وهو يعرض الملفات ويفضح المرتكبين، وتحية لإبداعك وفنك الروائي الذي أبدع أهم عمل عن المسنين ودور الرعاية، وستبقى هذه العلامات والصفات إشارة مهمة وكبيرة لإعلامي ومبدع لم يقبل أن يمرّ مروراً، مهما كانت مكاسبه، وإنما كنت الإعلامي والمبدع الذي آثر الندرة كالحجارة الكريمة، ليبقى محافظاً على جوهره ونقائه، وكانت علامات قليلة كافية لتجعلنا نقف باحترام أمام سلوك ومهنية وإنسانية، قد يكون من الصعب اتباع نهجها.

تحية لروحك الطيبة التي أثمرت وأعطت، ومن أجمل عطاءاتها المبدع الجميل النجم باسم ياخور في فضاء الإبداع والحرية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن