قضايا وآراء

هبّة غضب بارزانية!

| أحمد ضيف الله

الخلافات بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل، قصة تتكرر كل عام، حالما تشرع الحكومة المركزية في الإعداد لمشروع الموازنة المالية العامة.

الخلافات العالقة فيما بينهما، هي ذاتها منذ العام 2005، حصة الإقليم في الموازنة العامة، وامتناع الإقليم عن تسليم 250 ألف برميل يومياً من النفط إلى بغداد، وعدم تسديد ما بذمته من عوائد مالية من تصدير النفط وواردات المنافذ الحدودية والرسوم والضرائب الأخرى المرتبطة بالإقليم للحكومة الاتحادية، إلى جانب تعثر إقرار قانون النفط والغاز، وموضوع تنفيذ المادة 140، وعائدية المناطق المتنازع عليها بين الجانبين، ورواتب البيشمركة الكردية، ومؤخراً تطبيق اتفاق سنجار.

بعد الزيارة الثالثة لوفد كردي رفيع المستوى برئاسة رئيس حكومة الإقليم مسرور البارزاني لبغداد في الـ11 من كانون الثاني الماضي، قال المتحدث باسم حكومة الإقليم جوتيار عادل، في مقابلة نشرتها دائرة الإعلام والمعلومات في الإقليم في الـ12 من كانون الثاني الماضي: إن نتائج الاجتماعات الأخيرة «كانت جيدة مقارنة بالاجتماعات السابقة»، و«هذه هي المرة الأولى التي تشارك فيها حكومة الإقليم في صياغة مشروع الموازنة المالية العامة 2023، وهذا أمر غير مسبوق»، مؤكداً أن مجلس وزراء الحكومة الاتحادية سيرسل «الـ400 مليار دينار، كمستحقات إقليم كردستان»، متوقعاً أنه «لم تبق عوائق كبيرة أمام هذا الأمر».

المحكمة الاتحادية العليا أصدرت في الـ25 من كانون الثاني الفائت 2023 قراراً «باتاً وملزماً للسلطات كافة (…) بعدم صحة القرارات الصادرة من مجلس الوزراء» بشأن إرسال مبالغ مالية على شكل رواتب لإقليم كردستان، من حكومة مصطفى الكاظمي السابقة، لكونها حكومة تصريف أعمال، فضلاً عن عدم قيام حكومة إقليم كردستان بتسليم النفط المصدر من داخل الإقليم وعائداته إلى الحكومة المركزية، تنفيذاً لقرارها بهذا الشأن في الـ15 من شباط 2022، شاملاً أيضاً إبطال قرار حكومة محمد شياع السوداني في الـ13 من كانون الأول 2022 بتحويل 400 مليار دينار إلى الإقليم.

قرار المحكمة الاتحادية العليا، كان حكماً في الدعوى التي سبق أن تقدم بها النائب المستقل مصطفى سند قبل نحو 9 أشهر ضد قرارات كانت قد اتخذتها حكومة مصطفى الكاظمي بإرسال أموال لإقليم كردستان خلافاً للقانون والدستور، وهي ليست حكماً في الدعاوى المقدمة منه ومن النائب هادي السلامي في الـ14 من كانون الثاني 2023، ضد قرار الحكومة العراقية بإرسال 400 مليار دينار، أي نحو 277 مليون دولار، لتسديد رواتب موظفي إقليم كردستان، الذين اعتبروا أن إرسال المبلغ «يشكل إهداراً عمدياً للمال العام»، من «دون تسديد الإقليم ما بذمته من مبالغ لحكومة المركز، جراء الاستمرار بتصدير النفط وجباية مبالغ الجمارك».

قرار المحكمة الاتحادية العليا أحدث صدمة مفاجئة لرئيس الإقليم وحكومته وبرلمانه ولقيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني الذين أصدروا بيانات غاضبة، رافضة للقرار، معتبرين المحكمة الاتحادية «غير دستورية»، وقرارها «محل ريبة وشك ويثير العشرات من علامات الاستفهام الكبرى»، وأنه «مسيس» و«تعسفي ومعاد لشعب كردستان»، إلى جانب قيام رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني بوصف المحكمة الاتحادية العليا في بيان له، بأنها «تنفذ أجندة مشبوهة وتحل محل محكمة الثورة في النظام السابق».

في الـ31 من كانون الثاني الفائت، حددت المحكمة الاتحادية العليا يوم الـ28 من شباط الجاري موعداً للمرافعة في دعوى المطالبة بمستحقات الشركة العامة لتجارة المواد الغذائية من حكومة إقليم كردستان و«ذلك لقيام حكومة الإقليم باستلام مفردات البطاقة التموينية من حكومة المركز وتوزيعها على مواطني إقليم كردستان واستلام بدلاتها النقدية من المواطنين وعدم تسديدها إلى وزارة التجارة» للفترة من 1/1/2004 ولغاية 30/9/2021.

حكومة إقليم كردستان لم تلتزم بتنفيذ ما كان يجري الاتفاق عليه مراراً مع الحكومات السابقة، وخاصة فيما يتعلق بتسلم بغداد 250 ألف برميل من النفط يومياً، وتسديد ما بذمتها من عوائد مالية من تصدير النفط والجمارك والرسوم والضرائب الأخرى المرتبطة بالإقليم للحكومة الاتحادية، إضافة إلى مستحقات الشركة العامة لتجارة المواد الغذائية من بيع مفردات البطاقة التموينية، كما تبين من الدعوى المقامة، ولا ندري بعد إن كانت هناك مطالبات مالية أخرى.

الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البارزاني، ورئاستا الإقليم والحكومة، أعلنوا مراراً أنهم لا يعترفون بالمحكمة الاتحادية العليا، ولا بقراراتها، كما أنهم لم ينفذوا مطلقاً أي قرار قضائي صادر من المحاكم العراقية الأخرى، بحق الفارين ممن يتخذون من الإقليم مقراً لهم، بينهم من شارك في المؤتمر الداعي إلى التطبيع مع إسرائيل الذي عُقد في أربيل في الـ24 من أيلول 2021، وآخرون كثر.

هبة الغضب البارزانية المعيبة هي «بلطجة»، فقرارات القضاء يجب أن تقدر وتحترم، ومن يتطاول على قرارات المحاكم ولا يلتزم بتنفيذها هو مجرم خارج على القانون.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن