فضيحة أخلاقية جديدة تضاف لفضائح الغرب الجماعي بزعامة الولايات المتحدة الأميركية بعد فاجعة الزلزال الذي ضرب عدة مدن سورية من حلب إلى اللاذقية وحماة وإدلب، نتيجة عدة زلازل ضربت تركيا فيما سُمي هناك بـ«زلزال القرن»، وبالرغم من النداء الذي وجهته وزارة الخارجية السورية إلى الأمم المتحدة، ودول العالم، والمنظمات الإنسانية الدولية، فإن واشنطن وبكل صفاقة وتكبّر واستعلاء سارعت للكذب على الرأي العام العالمي والعربي بالقول إن الإجراءات الأحادية الجانب التي تطبقها بقسوة ووحشية على الشعب السوري منذ عقود من الزمن، وآخرها ما سُمي بـ«قانون قيصر» منذ حزيران 2020، لا يمنع المساعدات الإنسانية، وهو كذب وافتراء رخيصين، إذ إن هذا التشريع الأميركي يمنع تقديم المساعدات الخارجية الأميركية للحكومة السورية، ويفرض على الإدارة الأميركية معارضة أي دعم يمكن أن تقدمه المؤسسات المالية الدولية لسورية، كما أنه يسلط العقوبات على أي شركات غير أميركية تدعم أو تشارك في تعاملات كبيرة مع الشركات، والأفراد، أو الكيانات السورية الخاضعين للعقوبات وما أكثرها، هذا يشمل كل مؤسسات الدولة المعاقبة بما فيها المصرف المركزي، والمصارف الحكومية، والشركات العاملة في سورية، كما تفرض عقوبات على الشركات غير الحكومية التي تقدم خدمات ملحوظة في مجال البناء، والهندسة للحكومة السورية، وتطول هذه الإجراءات الظالمة حتى المشافي والأدوية والتجهيزات الطبية، وبالتالي فإن واشنطن تكذب في روايتها التي حاولت الترويج لها، ما اضطر الخارجية السورية لإصدار بيان قبل يومين يفضح نفاق وكذب واشنطن.
يوم الإثنين في السادس من شباط الجاري، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن أميركا تقدم المساعدة بالفعل لتركيا وسورية، لكن الناطق بلسان الخارجية الأميركية قال في اليوم التالي إن واشنطن ستقدم الدعم للمناطق المنكوبة في الشمال السوري عن طريق المنظمات الشريكة، ولن تقدمها عبر الحكومة السورية، ويقصد بالمنظمات الشريكة: «الخوذ البيضاء» وهي منظمة أسستها المخابرات البريطانية، وتضم عملاء أجهزة استخباراتهم الذين هربوا من دوما بعد طرد الإرهابيين منها، وتذكرون أنهم خرجوا عبر كيان الاحتلال الإسرائيلي آنذاك، ليعود هذا الناطق لإطلاق كل الأوصاف، والنعوت المعتادة على الدولة السورية، وتحميلها مسؤولية ما يحصل، وكأن الولايات المتحدة بريئة من الجرائم، ودعم الإرهاب الذي حاربه الشعب السوري طوال أكثر من عقد من الزمن.
ولم يخرج كلام الرئيس الأميركي جو بايدن عن هذا السياق، إذ بعد أن عبر عن القلق البالغ إزاء الزلزالين المدمرين في تركيا وسورية، أضاف: إن الدعم سيقدم لما سماهم الشركاء الإنسانيين الذين تدعمهم الولايات المتحدة، أي «الخوذ البيضاء»، وجمعيات تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابية.
أما مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية «يو إس إيد» سامانثا باور فقد قالت بوضوح أكثر ودون مواربة: إن أميركا شرعت في نشر فريق من المتخصصين للتعامل مع الكوارث في تركيا، ولم تقل سورية، إنما شمال غرب سورية، و«سيعمل الفريق مع السلطات التركية ومع شركائنا على الأرض»، وتقصد «الخوذ البيضاء» و«النصرة» الإرهابية.
قد يسأل البعض: هل هذه مفاجأة؟ بالطبع لا، ولكن أسرد كل ذلك لأقول لأولئك المعجبين بأميركا والذين يرونها دولة عظمى، إنها تثبت في كل يوم أنها دولة ساقطة أخلاقياً، وإنسانياً، وإنها آخر من يحق له الحديث عن حقوق الإنسان والحريات، ولا أعتقد أن أحداً سيتوهم للحظة واحدة أن من شارك بقتل مليون عراقي والأفغان واللبنانيين واليمنيين، سوف يرف له جفن إن مات ملايين السوريين، أو تشردوا، وأتخيل أحياناً أن هذا الغرب الجماعي بزعامة واشنطن يتمنى لو أن الأرض تنشق لتبتلع السوريين، وأرضهم.
مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل صاحب نظرية «الحديقة والأدغال» الذي صنف الغرب على أنه حديقة، وباقي العالم سكان أدغال، هذا المسؤول الأوروبي ادّعى أن سورية لم تطلب رسمياً المساعدة على الرغم من أن الخارجية السورية وجهت نداءً عاجلاً لكل دول العالم لتقديم المساعدة، ومع ذلك لم يسمع بوريل بهذا النداء، وكأنه أصم، وكل ذلك اعتقاداً من هؤلاء أن سورية سوف تتوسل المساعدات الإنسانية، ليحاولوا من خلال هذه البوابة المجيء بالشروط السياسية معتقدين كعادتهم أنها ستأتيهم مستسلمة، وهو الوهم نفسه الذي ينتظرونه منذ 12 عاماً، من دون أن يدركوا بعد أن هذا لن يحصل أبداً، ليس لأن سورية وشعبها ليسا بحاجة مساعدة، ولكن لأن عليهم أن يدركوا عقم خياراتهم وفشلها، وسقوطها جميعاً، وهو ما يفرض على العقلاء منهم إعادة النظر في كل هذه المقاربات الخاطئة.
تركيا الدولة العضو في الأطلسي، والشريكة للغرب كما يُفترض أطلقت نداء استغاثة فوراً بعد أن دعا رئيسها رجب طيب أردوغان دول العالم لتقديم الدعم، والحقيقة أن الكارثة الإنسانية في سورية وتركيا واحدة، فكيف يمكن للمساعدات الإنسانية أن تشمل تركيا وشعبها، ولا تشمل سورية وشعبها؟
هو سؤال برسم: أدعياء الإنسانية والحريات وحقوق الإنسان!
الزلزال الذي أصاب سورية وتركيا، قدر أحد الخبراء الأتراك بأنه يعادل انفجاراً لمليون وثمانمئة ألف طن من مادة «تي إن تي» شديدة الانفجار، وليتخيل أي منا حجم الكارثة الإنسانية الضخمة التي أصابت السوريين، يضاف لها 12 عاماً من الإرهاب المدعوم دولياً، مع مليارات الدولارات والأسلحة والتخريب والتدمير، وإذا كانت تركيا غير المحاصرة والمنفتحة اقتصادياً وغير الخاضعة للعقوبات، قد كتبت بعض صحفها: «لقد انهرنا يا تركيا»، أي إن الكارثة أكبر من قدرة تركيا، فماذا نقول عن سورية الجريحة المحاصرة المكلومة المتألمة، التي دمر فيها الإرهابيون المدعومون من الغرب كل شيء، ثم يخرج البعض ليميز بين ضحايا في حلب واللاذقية وحماة، وبين ضحايا في المناطق المسيطر عليها من قبل جبهة النصرة الإرهابية أو مناطق ميليشيات «قسد»، هل هو تقسيم للموت والضحايا والآلام؟ كم أنتم حقيرون عندما تريدون تقسيم السوريين حتى في الموت؟!
مع كل هذه المحنة والفاجعة الكبيرة لا يمكننا إلا أن نشير بكل اعتزاز إلى هبّة السوريين في كل مكان للنجدة والإغاثة وتقديم العون، وهو مؤشر جديد على أن من يريد تقسيم هذا الشعب والبلد سيسقط رهانه عاجلاً أم آجلاً، أما أولئك الذين وجدوا في العدو الصهيوني مغيثاً لهم فلأنهم اكتشفوا أن الراعي التركي رماهم لمصيرهم المحتوم من دون أي اهتمام أو اعتبار، وبدلاً من أن يشكل ذلك مناسبة وفرصة تاريخية لإعادة اللحمة الوطنية، يستمرون في ارتكاب الخطايا واحدة تلو الأخرى، ليؤكدوا لنا أنهم مجرد عملاء صغار تافهين، يحتجزون سوريين رهائن لديهم بإدارة عصابة «جبهة النصرة»، من دون أن يفهموا بعد، أنه لا وزن لأي إنسان من دون أهله وشعبه ودولته، ولن يفيده الارتهان للخارج لأن المستفيدين من العمالة ليسوا سوى أفراد ومافيات ما زالت ترتزق باسم السوريين، وتراكم ثرواتها من دمائهم وآلامهم.
النقطة الأخيرة المهمة أن هناك تحركاً عربياً لافتاً يفترض أن يتجاوز اللحظة الراهنة، والمحنة باتجاه رؤية أكثر اتساعاً لمقاربة ما تتعرض له سورية منذ 12 عاماً من حصار وإرهاب، آن له أن يتوقف، وإذا كنا لا نأمل من الغرب الحاقد شيئاً، لكننا نعوّل على أن تبدأ الدول العربية بإنهاء هذا الظلم، والمأساة التي يعاني السوريون منها، وما يزالون، وما عليهم سوى أن يقرؤوا بعناية الرسم الكاريكاتوري الذي نشرته مجلة «شارل إبيدو» الفرنسية شامتة بالأتراك وبضحاياهم، لتكتب: «لسنا بحاجة حتى لإرسال دبابة»!
وإذا كان الانحطاط الأخلاقي لدى هذا الغرب قد وصل إلى هذا الحد تجاه دولة يفترض أنها حليفة لهم، فماذا عنا نحن أبناء المنطقة من العرب والمسلمين، ليبقى سؤالي الأساسي: أما آن لحقد هذا الغرب أن يتوقف؟! وجوابي: سيتوقف ويتحطم كلما قاومنا وواجهنا.